قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : دار في يدي رجل ادعى أنها له وأقام على ذلك بينة فقال ذو اليد: أنها كانت لي بعتها من فلان منذ شهر وسلمتها إليه، ثم أودعنيها وغاب، فالقاضي يسأل عن المدعي في دعواه فقد أقر أنه ليس بخصم له والخصومة لاتتوجه إلا على الخصم فقد أقر ببطلان خصومته وإقرار الإنسان ببطلان حقه إقرار يعبر، وإن كذب المدعي ذو اليد فيما ادعى إلا أن القاضي علم أن الأمر كما قال ذو اليد، فقد علم أن يد ذي اليد ليست بيد خصومة علم القاضي ... تصديق المدعي ثم لما اندفعت الخصومة عند تصديق المدعي فهاهنا أولى، وإن كان القاضي لا يعلم بذلك لا تندفع الخصومة؛ لأنه لما أقر بالملك لنفسه أولاً فقد أقر أنه خصم، وإن خصومة المدعي متوجهة عليه.

فإذا ادعى البيع والإيداع بعد ذلك، فقد ادعى ما يخرجه من أن يكون خصماً فلا يصدق في دعواه. وإن قال ذو اليد: أنا أقيم البينة على ما ادعيت، فالقاضي لا يقبل بينته؛ لأنه لو قبل بينته، وقضى بها كان ذلك قضاء على الغائب بالبيع وإنه ليس بخصم في إثبات البيع على الغائب، لأنه لا حاجة له الى ذلك؛ لأن حاجته إلى دفع الخصومة عن نفسه وهذه الحاجة تندفع بإثبات وصول الدار الى يده من جهة غيره فلا حاجة إلى إثبات الملك، والبيع على الغائب، فلم يصر خصماً في إثبات البيع على الغائب والبينة لا تسمع إلا من خصم إذا لم تقبل بينة ذي اليد، قضى القاضي بالدار للمدعي.

وأقام البينة أن الدار داره يسأله القاضي: من أي وجه صارت الدار له، فإن لم يبين شيئاً تقبل بينته ويقضي القاضي بالدار له بمنزلة أجنبي آخر يقيم البينة على الملك المطلق؛ وهذا لأنه لو لم يقبل لصيرورته مقضياً عليه بالقضاء على ذي اليد، والقضاء بالملك المطلق على ذي اليد (205أ4) لا يكون قضاءً على من يدعي الملك مطلقاً، وإنما يكون قضاءً على من يدعي تلقي الملك من جهة ذي اليد.

يوضحه: أن القضاء بناء على البينة والبينة حجة ضرورية فالقضاء الذي هو بناء على البينة لا يعدو موضع الضرورة وموضع الضرورة صاحب اليد ومن تلقى الملك من جهتهز

وإن قال: صارت الدار لي بجهة الشراء من ذي اليد فالقاضي لا يقبل بينته على ذلك؛ لأن القضاء بالملك المطلق على ذي اليد قضاء على من تلقى الملك من جهة ذي اليد، فصار الغائب مقضياً عليه بالقضاء على ذي اليد، فلو قبلت بينته بعد ذلك صار مقضياً له، وإنه لا يجوز؛ ولأن القاضي لما قضى بالملك المطلق للمدعي، فقد جعل يد ذي اليد يد غصب، والشراء من الغاصب لا يكون سبباً للملك.

ولم يذكر في «الكتاب» ما إذا حضر الغائب قبل الحكم للمدعي والجواب فيه أنه إن أقام البينة على الملك المطلق صار الغاصب مع المدعي بمنزلة خارجين يدعيان ملكاً مطلقاً، وأقاما البينة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015