فأقام بينة على ما ادعاه صاحب اليد قبلت بينته في حق دفع بينة الشفيع، وجرحها لأن بهذه البينة تبين أن الشفيع أقام البينة على غير الخصم.
قال في «الكتاب» : ألا ترى أن الشفيع لو أقر مما ادعاه المشتري بعدما أقام البينة قبل القضاء له لا يكون بينهما خصومة، ولا يقضي القاضي للشفيع حتى يحضر الغائب ويعيد البينة عليه.
فكذا إذا أثبت الغائب ذلك بالبينة، فإن أعاد الشفيع البينة على الذي حضر قضى القاضي له بالشفعة، فكان له أن يأخذ الدار بأي البيعين شاء، كذا هاهنا.
ولو قضى القاضي للشفيع بالشفعة قبل أن يحضر الغائب ثم أقر الشفيع بعد القضاء بما ادعاه المشتري الأول لا يلتفت إليه لما ذكرنا أن قضاء القاضي بالشفعة للشفيع يوجب انتقاض كل تصرف باشره المشتري، فالشفيع بهذا الإقرار يريد إظهار بيع أبطله القاضي، وليس له هذه الولاية، فلهذا لا يلتفت القاضي إلى إقراره، ثم ما ذكر من الجواب ظاهر على قول أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن القضاء بالشفعة وأنه في معنى عقد ينفذ ظاهراً وباطناً فلا يمكن ردهز
أما على قول محمد: لم ينفذ باطناً فينبغي أن يرد وإنما لم يرد؛ لأن فيه قضاء بالبعض على الغائب، والقضاء على الغائب لا يجوز.
رجل في يديه دار ادعاها رجل إلا أنه لم يقم البينة على دعواه، ثم قاما من عند القاضي ومكثا زماناً ثم تقربا إليه وجاء المدعي بشاهدين شهدا أن الدار له فقال المدعى عليه: إنها كانت لي إلا أني بعتها من فلان بعد ما قمنا عن مجلس القاضي، أو قال: وهبتها من فلان وسلمتها إليه، ثم أودعنيها وغاب فإن أقر المدعي بما قاله ذو اليد أو لم يقر هو بذلك، ولكن علم القاضي بذلك أو لم يعلم بذلك أيضاً إلا أن صاحب اليد أقام بينة على إقرار المدعي بذلك، فلا خصومة بينهما، وإن لم يكن شيء في ذلك، وأقام صاحب اليد بينة على ما ادعى فالقاضي لا يسمع بينته، ولا تندفع الخصومة عن ذي اليد، وقد مر هذا في المسألة المتقدمة، وكذلك لو كان المدعي حين ادعى الدار أقام شاهداً واحداً ثم قاما من عند القاضي ومكثا زماناً، ثم بعدما أتى القاضي وجاء المدعي بشاهد وأقام صاحب اليد بينة على أنه باع الدار من فلان بعدما قاما من عند القاضي.
أو قال: وهبها منه وسلمها إليه، فإن أقر المدعي بذلك أو علم القاضي به أو أقام ذو اليد بينة على إقرار المدعي بذلك فلا خصومة بينهما، وإن لم يكن شيء من ذلك وأقام ذو اليد بينة على ما صنع فالقاضي لا يسمع بينته ولا تندفع الخصومة عنه.
ولو كان المدعي حين ادعى الدار أقام شاهدين فعدلا فقبل أن يقضي القاضي بالدار للمدعي قاما من عند القاضي، ثم إنهما بعدما مكثا زماناً عند القاضي، وادعى صاحب اليد أنه باع الدار من فلان بعدما قاما من عند القاضي أو وهبها له، وسلمها إليه، ثم أن فلاناً أودعها منه وغاب، وأقر المدعي بذلك أو علم به فإنه لا تندفع الخصومة من ذي اليد.
بخلاف ما إذا كان المدعي أقام شاهداً واحداً وقت الدعوى، وباقي المسألة