وهذا على الرواية التي لا يشترط لفسخ الإجارة حالة التعذر القضاء والرضى، وإن كان باعها بغير عذر كان المستأجر أحق بها إلى أن تنقضي مدة الإجارة، وإن كان المكاري أجره من غيره، أو أعار، أوتصدق كان المستكري أحق بها الى أن يستوفي إجارته؛ سواء باشر هذه التصرفات بعذر أو بغير عذر؛ لأن العذر لا ينتقض في هذه الأسباب ولا تنتقض الإجارة بمباشرتها، وإن كان المكاري غائباً فبينة المستكري على الذي الدواب في يده مقبولة، إن كانت الدواب في يده مشترياً أو موهوباً أو متصدقاً عليه؛ لأنه يدعي الملك لنفسه فيما في يده فينتصب خصماً له لكل من ادعى حقاً فيما في يده والمستأجر ادعى حقاً فيما في يده، فينتصب خصماً له بعد هذا إن كان المكاري باع الدواب بعذر فلا سبيل للمستكري عليها.
وإن باع بغير عذر، أو وهبه، أو تصدق كان المستأجر أحق به إلى أن يستوفي إجارته. وإن كان الذي في يديه الدواب مستعيراً لا ينتصب خصماً للمستكري؛ وإن كان مستأجراً هل ينتصب خصماً للمستكري؟ ففيه اختلاف المشايخ قال بعضهم: ينتصب خصماً وإليه مال الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي والشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام علي البزدوي رحمهما الله، وقال بعضهم: لا ينتصب خصماً، وإليه مال الشيخ الإمام شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده وبعض مشايخ زماننا قالوا: إن كان المستكري يدعي فعلاً على المستأجر بأن قال: استأجرتها وقبضتها، ثم قال: غصبتها مني ينتصب خصماً له ويسمع بينته عليه، وإن لم يدع عليه فعلاً ولكن قال: استكريتها قبل أن تستأجرها أنت، لا ينتصب خصماً له ولا يسمع بينته عليه.
وإذا ادعى رجل داراً في يدي رجل أنها في إجارتها أجرنيها فلان وادعى ذو اليد أنها في إجارتي أجرنيها فلان آخر، يسمع دعوى المدعي وينتصب صاحب اليد خصماً بخلاف ما إذا ادعى الملك المطلق وصاحب اليد ادعى الإجارة وهذا الجواب يوافق قول الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي، والشيخ الزاهد فخر الإسلام علي البزدوي، وكذا إذا ادعى الأجر المستأجر بغير حضرة المستأجر؛ سمع دعواه؛ لأن مالك الرقبة هو.
نوع آخر:
قال محمد رحمه الله في أخر «شرح الجامع» : رجل اشترى من آخر جارية بألف درهم، ولم ينقد ثمنها وقبضها بغير إذن البائع، وباعها رجل آخر بمائة دينار وتقابضا وغاب المشتري الأول وحضر بائعه وأراد استردادها من يد المشتري الثاني فإن أقر المشتري الثاني أن الأمر كما وصف البائع الأول كان للبائع الأول أن يستردها من المشتري الثاني وإن كذب المشتري الثاني البائع الأول.
وقال: لا أدري أحق ما قاله البائع الأول أو باطل فلا خصومة بينهما حتى يحضر المشتري الأول، لأن الجارية صارت مملوكة للمشتري الثاني والبائع الأول مقر بذلك، ثم يدعي هو على الغائب حقاً فلا يصدق إلا بحجة، والحجة لا تسمع على الغائب إلا وأن يكون عنه خصم حاضر والمشتري الثاني ليس بخصم عن المشتري الأول.