إلى إثبات هذه البينة، فإذا اشترى الابن يقيم البينة على الملك، وهذا حكم يختص بالعقار، فإن الدعوى إذا وقع في المنقول لا يسمع الدعوى إلا بحضرة المنقول يعرف يد المدعى عليه فلا حاجة إلى إثباته بالبينة.
في «فتاوى الأصل» : إذا أنكر المدعى عليه أن يكون المحدود المدعى به في يده فالقاضي يحلفه على اليد أولاً، فإن حلف تندفع عنه الخصومة، وإن نكل يحلف على الملك، وهذا مما لا يكاد يصح؛ لأن اليد على العقار لا تثبت تصريح الإقرار فكيف يثبت بالنكول الذي هو قائم مقام الإقرار؟ ولو قال: لا أرى أهو ملك هذا المدعي فهذا ليس بجواب، ويجبره القاضي على الجواب، فإن لم يجب يجعله منكراً، ويسمع البينة عليه، وبيان ما يكون إقراراً وما لا يكون سيأتي في كتاب الإقرار.
هذا الفصل يشتمل على أنواع: نوع منه قال محمد رحمه الله في كتاب الإجارات: إذا تكارى الرجل ثلاث دواب بأعيانها من بغداد إلى مدينة، جازت الإجارة، ثم إن المكاري باع هذه الدواب من رجل آخر أو وهب له، أو تصدق أو أجر أو أعار، أو أودع، فجاء المستكري ووجد الدواب فأراد أن يقيم البينة على استكرائه فهذا على وجهين.
إما إن كان المكاري حاضر وفي هذا الوجه تقبل بينته على المكاري؛ لأن المستأجر مع الذي في يديه الدابة تصادقا أن الملك في الدابة كان للمكاري والمكاري صدقهما في ذلك، فيثبت الملك للمكاري في الدابة بتصادقهم، فكان المكاري خصماً للمستأجر فيقبل بينته عليه ويستوي في حق سماع بينة المستكري أن يكون المكاري جاحداً أنه أكرى الدواب منه أو يكون مقراً بذلك؛ لأن إقراره لا يصح لحق ذي اليد، فيكون وجود هذا الإقرار كالعدم بمنزلة.
ونظيره: رجل باع من رجل شيئاً، فجاء رجل آخر وادعى أن هذا البائع باع هذا الشيء مني قبل أن يبيعه من هذا المشتري، وصدق البائع المدعي في ذلك لا يلتفت الي تصديق البائع، ولو أقام المدعي بينة على دعواه، قبلت بينته.
وطريق القبول أن للبائع وإن كان مقراً بدعوى المدعي إلا أن الإقرار منه لا يصح بحق المشتري الظاهر فيصير وجود هذا الإقرار والعدم بمنزلة كذا هاهنا، وإذا قبلت بينة المستكري ينظر إن كان المكاري باع الدواب؛ وكان البيع بعذر بأن كان عليه دين فادح لا وفاء له إلا من ثمن الدواب، لم يكن للمستأجر على الدابة سبيل؛ لأن الإجارة تنتقض، حتى حصل البيع بعذر.