إذا وجد دليل يوجب قطع التبعية، فإذا أقر المدعي بالبناء بعد ذلك للمدعى عليه فهذا إقرار حجة قطعية عن التبعية وحجة أصلية في الملك لا أن يكون إكذاباً لتلك الشهادة، فأما إذا كان البناء ملفوظاً به في الشهادة فالقضاء بالبناء لكونه مشهوداً به فالإقرار بالبناء بعد ذلك للمدعى عليه يكون إكذاباً للشهود، فيوجب بطلان الشهادة.
ووجه التسوية على رواية كتاب «الأقضية» : أن مطلق اسم الدار في الغالب من كلام الناس وفي عاداتهم يستعمل بإزاء الأرض والبناء، والشرع يشهد لذلك حتى أن من حلف لا يدخل داراً، فدخل صحراء كانت داراً، وقد انهدم بناؤها لا يحنث، والثابت باعتبار العادة وعليه الاستعمال كالثابت بمطلق اللفظ حقيقة فاستوى ذكر البناء وعدمه.
ثم على رواية كتاب «الأقضية» فرق بينما إذا قال المقضى له: ليس البناء لي وإنما هو للمدعى عليه، وبينما إذا قال: البناء للمدعى عليه يوم شهادة الشهود أو قال: لم يزل ملكاً للمقضي عليه فلم يجعل الإقرار تكذيباً للشهود وجعل الثاني والثالث تكذيباً.
وعلى رواية كتاب «الشهادة» لم يفصل وجعل مطلق الإقرار بالبناء للمدعى عليه تكذيباً للشاهد إذا كان البناء مذكوراً في الشهادة.
وجه ما ذكر في «الشهادات» : أن مطلق الإقرار بالبناء للمقضي عليه يناقض شهادة الشهود للمدعي بالبناء والإكذاب في حكم المناقضة.
وجه ما ذكر في «الأقضية» : أن قوله: البناء ليس لي وإنما هو للمدعى عليه كلام محتمل يحتمل أنه للمقضي عليه؛ لأنه كان له يوم شهد الشهود فيكون إكذاباً للشهود ويحتمل أنه له؛ لأنه يملكه من جهة بعدما شهد الشهود فلا يكون إكذاباً بالاحتمال، ولا كذلك قوله: كان البناء لي يوم شهد الشهود، لم يزل ملكاً له.
هذا إذا أقر المقضي له بعد القضاء له أن البناء ليس له، وأنه للمقضي عليه، ولو أن المقضي له لم يقر بذلك لكن المقضي عليه ادعى البناء لنفسه، فعلى رواية كتاب «الأقضية» لا تسمع دعواه ولا تسمع بينته إن ذكر الشهود البناء في شهادتهم وسمع دعوى المقضي عليه وإن ذكروا لم تسمع دعواه.
وفي «المنتقى» وفي «الإملاء» عن محمد رحمه الله: رجل ادعى داراً في يدي رجل وأنكر الرجل الذي في يديه الدار حق المدعي فشهد للمدعي شاهدان أن الدار داره ولم يزيدوا على ذلك فلما زكوا، قال المدعى عليه: البناء بنائي أنا بنيته، وأراد أن يقيم البينة على ذلك قال: إن كان شهود المدعي حضوراً فالقاضي يسألهم عن البناء، فإن قالوا: البناء للمدعي مع الدار فالقاضي لا يلتفت إلى قول المدعى عليه وإن قالوا: لا ندري لمن البناء إلا أنا نشهد أن الأرض للمدعي فليس ذلك بإكذاب منهم بشهادتهم ويقضي للمدعى عليه بالبناء إن أقام البينة على البناء يؤمر بالهدم وتسليم الأرض إلى المدعي، وإن لم يحضر المدعى عليه ببينة على البناء قضى عليه القاضي بالأرض بشهادة شهود المدعي وأتبع الأرض للبناء، وإن جاء المدعى عليه بعد ذلك بالبيينة أن البناء بناؤه أخذه؛ لأن القاضي لم يقض على المدعى عليه بالبناء بشهادة الشهود وهذه الرواية توافق رواية شهادات «الأصل» .