يوسف، وهذا لأن الأصل اعتبار علم اليقين لجواز الشهادة، فلأن بقدر اعتبار علم اليقين أمكن اعتبار علم الفتوى.
وعن هذا قلنا: إذا رأى درة في يد كناس أو حجام، أو رأى كتاباً في يدي جاهل ليس في آبائه من هو أهل لذلك، لا يحل له أن يشهد بالملك له؛ لأن الذي يشير إلى قلب كل أحد أنه كاذب في دعواه، وأبو حنيفة لم يشترط ذلك في رواية، فإنه روي عنه أنه قال: إذا كانت الدار أو العبد أو الثوب في يدي رجل وسعك أن تشهد أن ذلك له ولم يقل: ووقع في قلبه أنه له، وذكر الصدر الشهيد حسام الدين في «شرح الجامع» في آخره: أنه لا يحل له الشهادة بمجرد اليد، وإنما يحل له إذا رآه في يده يتصرف فيه، وكان الفقيه أبو القاسم الصفار يقول: إن كان الكوز في يده على ممر الزمان، وكانت الشبهة عنها مرتفعة، ولم يكن رأى هناك خصماً يخاصم فيها، فالشهادة جائزة.
وذكر القدوري في «شرحه» عن أبي حنيفة وأبي يوسف: إذا رأى الرجل في يدي رجل وعلم أنه له يعرفه بالقلب، ويكتب ذلك عنده زماناً، فليشهد له بالملك، قال القدوري رحمه الله: وإنما اعتبر أن يبقى في يده زماناً، فيحصل تصرفه تصرف المالكين، فيغلب على الظن أنه له، وشرط الخصاف شرائط آخر لم يشترط أحد تلك الشرائط، فقال: إنما يشهد على الملك إذا رآه في الدار يرمها ويبني فيها ويسكنها ويؤاجرها ويحدث فيها أشياء لا يضرب أحد على يده في ذلك، ويقال فيما بين الناس: إن هذا ملكه.
وبعض مشايخنا شرطوا شرطاً آخر، وهو أن يدعي ذو اليد الملك لنفسه بأن يقول حال ما رآه في يده: هذا ملكي، فأما إذا لم يعلم منه دعوى الملك حال ما رآه في يده، فإنه لا يشهد له بالملك وإن رآه يتصرف فيه.
وفي «المنتقى» : لم يشترط هذا الشرط في بعض هذه المسائل، وقال في مسألة منها ولم يقل هو لي، وصورة ذلك: إذا رأى ثوباً في يدي رجل، ولم يقل: هو ثوبي، ثم ادعاه رجل وسعه أن يشهد أنه ثوبه، وكان القاضي الإمام أبو علي النسفي يقول: لا بد لحل الشهادة من أن يقع في قلب الرائي أنه ملكه، وكان يقول وإن رآه يتصرف فيه والناس يقولون أنه ملكه، إلا أنه وقع في قلب الرائي أنه ملك غيره لا ملكه، وأنه يتصرف بأمر ذلك الغير لا يحل له أن يشهد بالملك وعليه فتوى كثير من مشايخنا.
ثم هذه المسالة على أربعة أوجه.
أحدها: أن يعاين الشاهد المالك والملك، بأن عرف المالك بوجهه واسمه ونسبه، وعرف الملك بحدوده وحقوقه، ورآه في يده يتصرف تصرف الملاك ويقع في قلبه أن له، حل له أن يشهد له بالملك؛ لأن هذه شهادة عن علم وبصيرة، وإن لم يعاين الملك ولا المالك، ولكن سمع من الناس قالوا: لفلان بن فلان في قرية كذا ضيعة، حدها كذا وكذا، لا يحل له أن يشهد له بالملك؛ لأنه مجازف في هذه الشهادة فإن عاين المالك