رجل في يديه شيء سوى العبد والأمة وسعك أن تشهد أنه له، قد ذكرنا قبل هذا إن علم الشاهد بالمشهود به شرط جواز أداء الشهادة، وأقوى الأدلة التي يحصل بها العلم المعاينة فيجب اعتبارها الأداء إذا تعذر فحينئذٍ يعدل عنها، ويعدل إلى دليل آخر دونها والملك في الأشياء المعينة لأشخاص معنيين لا يعرف من طريق الإحاطة، وإنما يعرف بطريق الظاهر بدليله، واليد بلا منازعة دليل الملك بل لا دليل لمعرفة الملك في حق الشاهد سوى اليد؛ لأن أكثر ما في الباب أن يعاين أسباب الملك من الشراء والهبة أو ما أشبه ذلك، إلا أن الشراء والهبة ما يصل الملك إذا كان البائع أو الواهب مالكاً، وإنما يعرف كون الواهب مالكاً بيده بلا منازعة، وإذا كان اليد بلا منازعة دليلاً على الملك، كان للشاهد أن يعتمد عليه، ويشهد بالملك لصاحب اليد اعتباراً للظاهر عند تعذر الوقوف على الحقيقة، ثم إن محمداً رحمه الله على رواية «الجامع» جعل اليد فيما سوى العبد والأمة دليل الملك، ولم يجعله في العبد والأمة دليل الملك، ولم يفصل بين الصغير والكبير، وروى ابن سماعة عنه: أنه فرق بينما إذا كان العبد صغيراً لا يعبر عنه نفسه، وبينما إذا كان كبيراً أو صغيراً يعبر عن نفسه، فجعل اليد على الصغير الذي لا يعبر عن نفسه دليل الملك، ولم يجعل اليد على الكبير وعلى الصغير الذي يعبر عن نفسه دليل الملك.
وجه ما ذكر في «الجامع الصغير» : أن العبد في يد نفسه حتى إذا ادعى أنه حر الأصل قبل قوله فلا يثبت لغيره عليه يدعى الحقيقة، حتى يعتبر لإطلاق الشهادة والاستخدام لا يصلح دليلاً على الملك أيضاً لأن الحر قد يستخدم الحر، وقد يخدمه طوعاً، إلا إذا كان العبد بحال لا يعبر عن نفسه، كما هو رواية ابن سماعة فحينئذٍ يجوز له أن يشهد بالملك؛ لأنه لا يد له على نفسه، فثبت يد المولى عليه حقيقة، وصار كالثياب والبهائم.
وعن أبي يوسف رحمه الله أنه سوى بين العبد والإماء، وبين سائر الأشياء، وجعل اليد في الكل كيد الملك، وهكذا روي عن محمد، وهكذا روى أبو يوسف في «الأمالي» عن أبي حنيفة رحمه الله.
وذكر بعض المشايخ في «شرح الجامع الصغير» : فصل العبد والأمة، وقال: إن كان الرائي يعرف أنه رقيق يسع له أن يشهد لذي اليد بالملك؛ لأن الرقيق لا يكون في يد نفسه، بل يكون في يد من هو مستولي عليه من حيث الظاهر، أما إذا لم يعرف أنه رقيق لا يسعه أن يشهد لذي اليد بالملك مجرد اليد؛ لأن الحر قد يخدم الحر طوعاً كأنه عبده، فلا يصح الاستدلال به على الملك.
ثم إن محمداً رحمه الله شرط في بعض الروايات مع اليد شيئاً آخر، وهو أن يقع في قلب الرائي أن العين لصاحب اليد، فقال: إذا رأيت في يدي رجل ثوباً أو متاعاً، فوقع في قلبك أنه له، ثم رأيته بعد ذلك في يدي غيره وسعك أن تشهد أنه للأول، فإن لم يقع في قلبك أنه له برؤيتك إياه في يده، لم يسعك أن تشهد أنه له، وهكذا روي عن أبي