وعرفه معرفة تامة ولكن لم يعاين الملك، بأن سمع من الناس أن لهذا في قرية كذا ضيعة حدودها كذا، وهو لم يعرف تلك الضيعة، ولم يعاين يده عليها، لا يحل له أن يشهد له بالملك، وإن عاين الملك دون المالك بأن عاين ملكاً محدوداً وينسب هذا الملك إلى فلان بن فلان الفلاني وهو لم يعاين فلاناً بوجهه ولا يعرفه بنسبه، فالقياس: أن لا تحل له الشهادة، وفي الاستحسان تحل لأن الملك معلوم والنسبة تثبت بالشهرة والتسامع، فكانت هذه شهادة بمعلوم.
توضيحه: أن صاحب الملك ربما يكون امرأة لا تبرز ولا تخرج، فلو اعتبرنا تصرفها بنفسها لجواز الشهادة بالملك يبطل حقها فاكتفى فيه بالتسامع، فإذا سمع أن هذه الضيعة لفلانة وفي يدها، ووقع في قلبه أن الأمر كما سمع، حل له أن يشهد بالملك لها، هكذا ذكره الخصاف في «أدب القاضي» .
وفي «المنتقى» : إذا رأيت رجلاً على حمار يوماً لم أشهد أنه له، ولو رأيته على حمار خمسين يوماً أو أكثر، ووقع في قلبي أنه له شهدت أنه له، ولو وقع في قلبي أنه عارية لم أشهد له قال محمد رحمه الله في «المنتقى» : إذا رأيت ثوباً أو متاعاً في يدي رجل، ووقع في قلبك أنه له.
ثم رأيته بعد ذلك في يد غيره فشهد عندك شاهد عدل أنه للذي في يديه اليوم، كأن أودعه الأول بمحضر منها لم يسعك أن تشهد أنه للأول، قال: لأن هذا ينبغي أن يقع في قلبك إذا شهد العدلان بما وصفت لك أنه ليس للأول، فلا يسعك أن تشهد أنه للأول، وإن شهد بذلك عندك واحد وسعك أن تشهد أنه للأول ما لم يقع في قلبك أنه صادق، وإذا وقع في قلبك إنه صادق فلا تشهد به للأول؛ لأن الذي وسعك أن تشهد به للأول لكأنه قد زال عن قلبك بهذه الشهادة، فكأنه لم يقع في قلبك قط أنه للأول.
وفي «شرح شهادات الجامع» : أن من عاين دابة تتبع دابة، وترضع منها حل له أن يشهد بالدابة المرتضعة لصاحب الدابة الأخرى وبالنتاج، وهكذا ذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرح دعوى الأصل» (117ب4) .
نوع آخر من هذا الفصل
قال محمد رحمه الله: ولا تجوز الشهادة على الأملاك وعلى أسبابها، نحو: البيع والهبة والصدقة بالشهرة والتسامع.
وتجوز الشهادة بالشهرة والتسامع في أربعة أشياء: النسب والنكاح والقضاء والموت، والقياس في هذه الأشياء أيضاً أن لا تحل الشهادة بالتسامع؛ لأن شرط جواز الشهادة علم معاينة، قال عليه السلام: «إذا علمت مثل الشمس فاشهدوا وإلا فدع» ، فقد شرط لحل الشهادة علم معاينة، ولم توجد، إلا أنا استحسنا وجوزنا الشهادة بالشهرة