رضي الله عنه: يبطل حق الغائب ولا يقضى له بشيء لأن القضاء لم ينفذ في حق الغائب، ورجوع الشاهد قبل القضاء يمنع القضاء، ولا يعمل هذا الرجوع في حق الحاضر، لأنه بعد تمام القضاء له. ثم يشارك الغائب إذا حضر فيما قبض؛ لأنهما تصادقا على الشركة بينهما، وأحد الشريكين إذا قبض نصيبه من الدين المشترك كان للآخر حق المشاركة معه، ثم إذا شاركه فالحاضر لا يرجع على المطلوب بشيء؛ لأن حق المشاركة إنما ثبت بإقرار الحاضر. وإنه ليس بحجة في حق المطلوب.
قال في «إملاء بشر بن الوليد» : قال أبو يوسف رحمه الله: إذا صار الشاهدان بحال لا يجوز القضاء بشهادتهما بأن عمي أو خرس قبل قدوم الغائب، ثم قدم (113ب4) الغائب لم يقض له بشيء، وهذا يدل على رجوع أبي يوسف إلى قول أبي حنيفة لأنه لو نفذ القضاء له قبل حضرته لم يبطل باعتراض هذه العوارض في الشهود.
وإذا ادعى رجل أني وفلان الغائب اشترينا هذه الدار من هذا الرجل بألف درهم ونقدنا له الثمن، وأقام البينة على ذلك، فعلى قياس قول أبي حنيفة رضي الله عنه: يقضي للحاضر بنصف الدار، فإذا قدم الغائب كلف إعادة البينة، وعلى قول أبي يوسف: يقضي بالدار كلها للحاضر والغائب، ويدفع إلى الحاضر نصف الدار ويوضع النصف الباقي على يدي رجل ثقة. قال أبو يوسف ولا أقسمها حتى يحضر الغائب، قال في «المنتقى» : فإن قدم الغائب وجحد الشراء بطل نصيبه من ذلك، وجاز نصيب الحاضر، وهذا بلا خلاف وذكر أصل المسألة في «المنتقى» على الخلاف، وذكر هذه المسألة في «المبسوط» : وقال: يقبل هذه البينة في حق الحاضر، ولا يقبل في حق الغائب، ولم يذكر فيها خلافاً، وذكر الجصاص المسألة على الخلاف على حسب ما ذكرنا، وذكرنا في «المنتقى» على قول أبي يوسف: ينزع نصيب الغائب من يد المدعى عليه، بعض مشايخنا قالوا: هذا إذا وصل الثمن إلى البائع، أما إذا لم يصل لا ينزع؛ لأنه لو كان حاضراً، وأراد قبض نصيبه قبل إعطاء الثمن لم يكن له ذلك، فحال غيبته أولى، وبعضهم قالوا: نقد الثمن يحتاج إليه للدفع إلى المشتري، ونحن لا ندفعه إلى المشتري، بل نضعه على يدي العدل، ويد العدل في الحبس نظير يد البائع، كما أن يد العدل في يد الرهن نظير يد المرتهن في الحبس.
قال في كتاب «الأقضية» : وإذا ادعى رجل على رجل أنه كان لأبي على هذا الرجل ألف درهم، وقد مات أبي قبل استيفاء شيء منها وترك من الورثة أباً وابناً آخر هو غائب، وأقام البينة وطلب نصيبه منه فالقاضي يقضي بنصيب الحاضر والغائب حتى إذا حضر الغائب لا يكلف إعادة البينة ولم يحك خلافاً، وذكر في كتاب «المبسوط» أن أحد الورثة إذا أقام البينة على القصاص على رجل يثبت ذلك في حق جميع الورثة، حتى لا يكلف بقية الورثة على إقامة البينة إذا حضروا عند أبي يوسف ومحمد. وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله: يثبت حق الحاضر بهذه البينة، ولا يثبت حق الغائب حتى يكلف الغائب إذا حضر إعادة البينة.
وذكر في دعوى «المبسوط» : دار في يدي رجل، أقام رجل البينة أن أباه مات وترك