بدعوى على الغائب بل له، فإنه يقر له ببراءته عن اليمين وإنه دعوى له من كل وجه ألا ترى أنه لو حضر المطلوب، وأنكر أن يكون عليه من ثمن خمر، وإنما كان من ثمن عبد لا يمكن للكفيل إثبات ذلك عليه بالبينة، وإذا لم يمكنه إثبات ما ادعى من سبب الحق على الغائب لو حضر وأنكر، فبإنكار الطالب الذي يقوم إنكاره مقام إنكاره أولى، وإذا لم تصح دعوى الكفيل؛ لأن الطالب لم ينتصب خصماً له، فصار دعوى الكفيل فساد العقد، ودعوى أجنبي آخر سواء.

قال في «الأقضية» وفي «نوادر ابن سماعة» عن محمد: رجل ادعى على رجل ألف درهم لنفسه ولغائب من ثمن عبد أو ثوب باعاه وأقام البينة. قال أبو حنيفة رضي الله عنه: يقضى بنصيب الحاضر دون الغائب، حتى لو حضر الغائب كلف إعادة البينة، وقال أبو يوسف يقضى بنصيب الحاضر والغائب جميعاً، حتى لا يحتاج الغائب إلى إعادة البينة إذا حضر قال صاحب «شرح الأقضية» وذكر بعد هذا ما يدل على رجوع أبي يوسف إلى قول أبي حنيفة ومحمد في الظاهر، وعلى ما عليه عامة الروايات مع أبي حنيفة، وذكر في «المنتقى» قول محمد مع أبي يوسف قال في «المنتقى» : وإن كان الألف ميراثاً بينه وبين الغائب لا يكلف الغائب إعادة البينة إذا حضر بلا خلاف.

قال في «المنتقى» : والحاصل أن الدين إذا كان مشتركاً بين رجلين لا بجهة الوراثة بل بجهة أخرى، فأحد الشريكين لا ينتصب خصماً عن الآخر عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وإن كان مشتركاً بجهة الإرث ينتصب خصماً، وعند أبي يوسف ينتصب خصماً على كل حال.

قال محمد رحمه الله في «المنتقى» : ما قال أبو حنيفة قياس، وما قاله أبو يوسف استحسان، ومحمد رحمه الله أخذ بالاستحسان كأبي يوسف.

وجه قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله على ما ذكر في «المنتقى» : أن الحاضر لا يتمكن من إثبات حقه إلا بإثبات حق الغائب، لأن البينة قامت على إثبات دين مشترك بينه وبين الغائب، ولا يتمكن من إثبات حقه في ذلك الدين إلا بإثبات حق الغائب فيه ليكون الدين مشتركاً، وفي مثل هذا ينتصب الحاضر خصماً عن الغائب.

ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن البينة إنما تقبل على الخصم من الخصم، وهنا لا خصم في حق نصيب الغائب، لأن الخصم على طريق الأصالة من الغائب لم بوجد وبطريق النيابة كذلك؛ لأنه لم توجد الإنابة من جهته، ولا ينتصب خصماً باعتبار إيصال حقه بحق الغائب؛ لأن حقه يمتاز عن حق الغائب في الجملة، فلم يكن من ضرورة الحكم له الحكم للغائب، فيقتصر القضاء له.

ثم على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله على ما ذكر في «المنتقى» إذا حضر الغائب وصدق الحاضر فيما ادعى كان بالخيار: إن شاء شارك المدعي فيما قبض ثم يتبعان المطلوب، وإن شاء اتبع المطلوب ويأخذ نصيبه منه.

وإن لم يحضر الغائب حتى رجع الشاهدان عن شهادتهما، فإن على قول أبي حنيفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015