قال الخصاف رحمه الله: وإن استمهل المدعى عليه من القاضي يومين أو ثلاثة بعدما عرض عليه القاضي اليمين ثلاث (96أ4) مرات ونكل عن اليمين في كل مرة فلا بأس بأن يمهله القاضي؛ لأنه طلب من القاضي أن ينظر له بالتأخير حتى ينظر فيه، ويتأمل فيزول الاشتباه عنه والقاضي نصب ناظراً، فلهذا قال: لا بأس بأن يمهله القاضي، وإن لم يمهله وأمضى الحكم جاز؛ لأن دليل القضاء قد وجد وعسى يكون مراده من الإمهال تضييع حقه بالتأخير وهو نظير أمر المرتد (إذا) استمهل يمهل له ثلاثة أيام، وإن لم يمهل له وقتل جاز كذا ها هنا، فلو أن القاضي عرض عليه اليمين في المرة الأولى فقال: لا أحلف، فلما عرض عليه اليمين في المرة الثانية قال: أحلف ثم لم يحلف، فالقاضي يحتسب بما سبق حتى يعرض عليه اليمين مرة واحدة بعد ذلك، وإذا نكل قضى عليه، ولو أن القاضي (عرض) عليه اليمين في المرة الأولى فقال: لا أحلف ثم استمهل ثلاثة أيام فأمهله القاضي، فلما مضت الأيام الثلاثة، فالقاضي يستقبل العرض عليه ثلاث مرات ولا يحتسب بما سبق.

والفرق: أن في المسألة الأولى لو لم يحتسب بما سبق لا يمكن القاضي من القضاء بالنكول أصلاً؛ لأنه كلما أراد أن يقضي عليه بالنكول يقول: أنا أحلف، فيحتاج إلى استقبال عرض اليمين ثلاث مرات فيتعذر عليه القضاء، أما في مسألة الاستمهال لو لم يحتسب بما سبق لا يتعذر عليه القضاء بالنكول؛ لأنه لو استمهل مرة أخرى فالقاضي لا يمهله، ولأن عرض اليمين إنما يبقى معتبراً إذا بقي للاستحلاف حقاً مستحقاً للمدعي فبقي العرض معتبراً.

قال: ولو أن المدعى عليه حين أنكر دعوى المدعي، وعرض عليه القاضي اليمين لم يقل: لا أحلف ولكنه سكت، فالقاضي يقول: إني أعرض عليك اليمين ثلاثاً، فإن لم تحلف قضيت عليك بما ادعى ثم يعرض عليه اليمين ثلاثاً، فإن حلف وإلا ألزمه ذلك، فقد جعل الساكت ناكلاً وإنما جعل كذلك؛ لأنه بالسكوت امتنع عن اليمين المستحقة فصار به ظالماً فيجعله القاضي ناكلاً ليقضي عليه هل يظلمه؟ ألا ترى أنه لو امتنع عن جواب المدعى عليه بالسكوت، فالقاضي يجعله ناكلاً فكذا هاهنا.

وبهذا يتبين أن النكول نوعان: حقيقي وحكمي، فالحقيقي: أن يقول لا أحلف والحكمي: أن يمتنع عن اليمين، ولكن إنما يجعل الإباء عن اليمين نكولاً إذا عرف أنه ليس في لسانه آفة تمنعه عن اليمين، وإذا عرف أنه ليس في أذنه آفة تمنعه عن سماع كلام القاضي، وهذا لأن الإنسان قد يسمع كلام القاضي، ولكن لا يمكنه أن يجيب؛ لأن في لسانه آفة وقد يمكنه أن يجيب إلا أنه لا يمكنه أن يسمع لآفة في سمعه وما لم يسمع ولم يقدر على الجواب لا يصير ظالماً بالإباء عن اليمين، فلا يجعل امتناعه عن اليمين نكولاً حكماً، وفي مسألتنا هذه عرف أنه لا آفة في لسانه ولا في سمعه؛ لأنه سمع كلام الخصم وأجابه في مجلس القاضي بالإنكار، فلهذا جعله ناكلاً حكماً.

ولو أن المدعي حين قدم المدعى عليه مجلس القاضي وادعى عليه الحلف الذي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015