كان الحاكم الإمام أبو محمد الكوفي رحمه الله يقول: العرض ثلاث مرات أمر لازم، قيل: وهكذا روي عن أبي يوسف ومحمد رحمهما الله، وبعض مشايخنا قالوا: إنه ليس بلازم.
وذكر شيخ الإسلام في شرح «السير الكبير» : أن القاضي إذا عرض اليمين على المدعى عليه ولم يحلف، إن صرح بأنه لا يحلف، فالقاضي لا يعرض عليه اليمين مرة أخرى، بل يقضي عليه، وإن سكت فالقاضي يعرض عليه اليمين ثلاث مرات ويقول في كل مرة: إن حلفت وإلا قضيت عليك بالمال.
وذكر الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في شرح كتاب الدعوى أن القاضي لو قضى في المرة الأولى، عامة المشايخ على أنه ينفذ قضاؤه، وبعضهم قالوا: لا ينفذ قضاؤه. قال محمد رحمه الله: والصحيح ما عليه عامة المشايخ.
وجه قول من قال: بأن التقدير بالثلاث ليس بأمر لازم: أن يكون له متسع للتورع عن اليمين الكاذبة إلا أنه يستحب العرض ثلاث مرات حتى يتأمل هل عليه شيء أم لا؛ أو لأنه يحتمل أنه لم يفهم كلام القاضي فالقاضي يبلي عذره فيه، والثلاث حسن لإبلاء العذر. ألا ترى أن المرتد يمهل ثلاثة أيام ولو لم يمهل وقتل في اليوم الأول جاز كذا ها هنا.
وجه القول الآخر: أن النكول حجة محتملة؛ لأنه يحتمل أنه نكل تورعاً عن اليمين الكاذبة، ويحتمل أنه نكل لاشتباه الحال، فما لم يتأيد بمؤيد لا يعمل به فإذا نكل ثلاث مرات فقد وجد المؤيد وقبل ذلك لم يوجد المؤيد فلو أن القاضي عرض عليه اليمين ثلاث مرات وأبى أن يحلف فقضى عليه بالنكول ثم قال أنا أحلف لا يلتفت إليه؛ لأن قضاء القاضي قد نفذ وأفاد حكمه، فلا يمكن نقضه بعد ذلك من غير حجة وهو معنى قول شريح رضي الله عنه في مثل هذه الصورة: قد مضى قضاء لي. ولو قال: أنا أحلف قبل أن يقضي عليه قبل ذلك منه؛ وهذا لأن النكول لا يكون حجة قبل إيصال القضاء به، فلم يلزمه بسببه شيء فكان له أن يحلف بخلاف الإقرار، ويقبل ذلك؛ لأنه عسى كان النكول، ليتأمل هل الأمر كما يزعم المدعي وإنه صادق في الإنكار حلف، فلهذا يقبل ذلك منه.
قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وهو نظير ما قلنا في أحد الزوجين إذا أسلم أنه يعرض الإسلام على الآخر ثلاث مرات، ويقول له القاضي: إن امتنعت عن الإسلام أفرق بينك وبين صاحبك فإن امتنع في المرة الثالثة، فالقاضي يفرق بينهما، فإن قال: بعد ذلك أنا أسلم لا ينفعه إسلامه في هذا النكاح، وإن قال: أنا أسلم قبل قضاء القاضي بالفرقة، فالقاضي لا يفرق بينهما.
ثم النكول الذي يترتب عليه القضاء عندنا مختص بمجلس القضاء؛ لأن النكول الذي يترتب عليه القضاء النكول عن اليمين القاطعة للخصومة، واليمين القاطعة للخصومة مختص بمجلس القضاء ويشترط أن يكون القضاء على فور النكول عند بعض المشايخ، وعلى قول الخصاف لا يشترط وقد مر هذا من قبل.