زعم أنه قبله فسأله القاضي عن دعواه فسكت ولم يجب القاضي لا بقليل ولا بكثير، وكلما كلمه القاضي بشيء لم يرد عليه الجواب، فإن القاضي لا يجعله ناكلاً لجواز أنه كان بسمعه آفة فلم يسمع كلام القاضي أو لم يكن بسمعه آفة إلا أنه كان بلسانه آفة فسمع كلام القاضي، إلا أنه لم يقدر على الجواب فلا يظهر ظلمه فلا يجعله القاضي ناكلاً، ولكن إذا كان في مجلس القاضي من يعرفه، فالقاضي يسألهم عنه، فإن شهدوا أنه عاقل ناطق سميع غير أبكم ولا أصم، فالقاضي يجعله ناكلاً ويقضي عليه، لأنه ظهر في الامتناع عن اليمين، وأما إذا لم يكن في مجلس القاضي من يعرفه فإن القاضي يقيمه عن مجلسه ويأخذ منه كفيلاً حتى يسأل عن معارفه وجيرانه، فإن سأل وأخبروا أنه لا آفة به أعاده إلي مجلسه، فإذا أعاده إلى مجلسه وهو ساكت بعد لا يتكلم:

أجمعوا على أن القاضي ينزله منكراً في حق سماع البينة عليه حتى لو أقام المدعى عليه بينة قبلت بينته وقضى عليه بالمال المدعى به، وأما في حق عرض اليمين عليه ثلاث مرات والقضاء عليه بالنكول هل ينزله منكراً؟ بعض مشايخنا قالوا: هذا على قولهم فأما على قول أبي حنيفة رحمه الله فالقاضي يحبسه ولا يقضي عليه بالنكول.

وذكر الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: أن ما ذكر في «الكتاب» قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أما على قول أبي يوسف: فالقاضي لا يقضي عليه بل يحبسه حتى يجيب أو يحلف، وجه قول من قال: يستحلف ويقضي عليه: أنه جعل منكر في حق سماع البينة عليه فكذا في حق عرض (اليمين) ؛ لأن المعنى لا يختلف، وجه قول من قال لا يعرض عليه اليمين: أن الإنكار لم يوجد حقيقة، والشرع إنما شرع عرض اليمين والقضاء بعد ذلك بناء على الإنكار الحقيقي ولم يوجد.

وإن علم القاضي أن بلسانه آفة بأن علم أنه أخرس أمره أن يجيب بالإشارة ويعمل بإشارته، لأن الإشارة من الأخرس قائمة مقام الكلام من الناطق، ألا ترى أنه يعمل بإشارته في حق النكاح والطلاق، فإن أشار بالإقرار تم الإقرار وإن أشار بالإنكار عرض عليه اليمين، فإن أشار بالإجابة كان يميناً، وإن أشار بالإباء يكون نكولاً، فيقضي عليه بالنكول.

حكي عن موسى بن سليمان قال: سمعت محمد بن الحسن رحمه الله (يقول) إذا أراد القاضي أن يستحلف الأخرس يقول له: عليك عهد الله إن كان لهذا عليك هذا الحق ويشير الأخرس برأسه أي نعم ولا يستحلفه بالله ما لهذا عليك هذا الحق فيشير برأسه أي نعم؛ وهذا لأن قوله بالله ما لهذا عليك هذا الحق، لا بد وأن يقول القاضي: قل بالله ليعرف الأخرس أنه يطلب منه اليمين؛ لأن قوله بالله ليس يخاطب الأخرس ولا يعني إلزام الأخرس، فلا بد من خطابه بقوله قل ليعرف أنه طلب منه اليمين.

بخلاف قوله: عليك عهد الله، فإن هناك لا يحتاج إلى أن يقول له القاضي قل علي عهد الله؛ لأن قوله عليك خطاب الأخرس وفيه ما يفتي عن إلزامه عليه فيعرف الأخرس أن القاضي يطلب منه، فلا حاجة إلى الخطاب بكلمة قل ثم إنما الفرق جاء بين الصورتين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015