والثالثة: المريض إذا باع وعليه دين محيط بتركته، فإنه لا يتحمل منه الغبن الفاحش إذا باع رب المال شيئاً من مال المضاربة بعدما صار رأس المال عروضاً، فإنه لا يتحمل منه الغبن اليسير، كما لا يتحمل الغبن (الفاحش) ، والأصل منه أن كل من تمكنت التهمة في تصرفه لا يتحمل منه الغبن اليسير ولا الغبن الفاحش، قلنا: والعبد في تصرفه مع المولى متهم بالميل إليه، وكذلك المضارب متهم في بيعه ممن لا تقبل شهادته له، وكذلك المريض منهم لجواز أنه قصد إيثار المشتري على الغرماء، وعلم أنه لو أبرأ بطريق التبرع ينقض تبرعه بمال إلى طريق يروج إيثاره وهو المبيع، وكذلك رب المال متهم؛ لأنه بعدما صار رأس المال عروضاً لا يملك منع المضارب ونهيه عن التصرف لتعلق حقه في الربح، فلعل أنه قصد الإضرار بحرمانه عن الربح، ثم إذا باعه من مولاه بمثل قيمته حتى جاز هذا البيع فقبضه المولى ووجد به عيباً إن كان للمولى نقد، نقد الثمن لم يملك رده على العبد؛ لأنه لا يفيد؛ لأن فائدة الرد في مثل هذه الصورة الرجوع بالثمن وهو ممتنع ههنا؛ لأن المولى لا يستوجب على عبده ديناً سواء كان على العبد دين أو لم يكن؛ لأن محل الدين ملكه والإنسان لا يستوجب ديناً في ملك نفسه، ولا يرجع بنقصان العيب على العبد أيضاً؛ لأن ذلك القدر يصير ديناً له في ملكه.
فإن قيل: المولي قد يستوجب على عبده ديناً، فإنه إذا باع شيئاً من عبده المأذون المديون بالدراهم أو الدنانير، فإنه يجوز ويجب الثمن في ذمة العبد، فإن حكم البيع بالدراهم والدنانير وجوب الثمن في ذمة المشتري، على ما عرف من أصلنا: أن الدراهم والدنانير لا يتعينان في عقود المعاوضات.
قلنا: بيع المولى من العبد المأذون المديون عندنا لا ينعقد موجب الثمن في ذمة العبد، بل ينعقد فيما بين المتعاقدين مفيداً الملك في الدراهم المعينة عند القبض، على مثال البيع بشرط الخيار للمشتري لا ينعقد موجباً الثمن في ذمة المشتري؛ لأن خيار الشرط يمنعه، بل ينعقد فيما بين المتعاقدين مفيداً الملك في الدراهم المعينة عند القبض، وهذا لأن الدراهم والدنانير إن كانا لا يتعينان في عقود المعاوضات يتعينان عند القبض، فينعقد العقد فيما بين المتعاقدين في الحال مفيداً الملك عند التعيين بالقبض، وهذا الطريق مما لا يمكن بحقيقة في الفسخ فيما بين المتعاقدين من غير أن يعود الثمن ديناً في ذمة البائع، الأصل له في الشرع، وإن أراد المولى أو العبد الرجوع على البائع بشيء لم يكن لهما ذلك، أما المولي، فإنه ما جرى بينهما معاقدة والسبب المحلل قائم، وأما العبد فلأن ما استفاد العبد من الملك من جهته إزالة عن ملكه إلى ملك مولاه، فلا يملك الرد عليه ما لم يعد حكم ذلك الملك بالرد على العبد، هذا إذا كان المولي قد نقد الثمن، وإن لم يكن نقد الثمن كان له أن يرد على العبد؛ لأن الرد ههنا مفيد؛ لأن فائدة الرد في مثل هذه الصورة سقوط الثمن عن ذمة المولي وبراءته عن دين العبد، ولا يستحيل أن ببراءة المولى عن دين العبد كما لو أداه إلى العبد حقيقة، فإذا رد إلى العبد بقضاء القاضي عاد حكم الملك الذي استفاده العبد من جهة بائعه فكان له أن يرد على بائعه، فإن سقط الدين