الأولى لم يمكنه بناء الباقي على ما مضى؛ لأن الأقوى لا يجوز أن يبنى على الأضعف، ألا ترى أن المؤمن إذا قدر على الركوع والسجود في خلال الصلاة والأمي إذ اصار قادراً لا يبني، وكان الشيخ الإمام الزاهد أبو بكر بن حامد يقول: يجزئه ولا يلزمه الاستقبال؛ لأن صلاته كانت صحيحة في الابتداء لانعدام الدليل المفسد فالتغيير لا تزداد القوة حكماً بخلاف ما بعد الشك؛ لأن هناك صلاته بنيت صحيحة إلا بالتيقن بالأصلية، فإذا شعر أنه أصاب فقد يقوى حاله حكماً فلزمه الاستقبال (104أ2) .

أما ههنا بخلاف الوجه الثاني إذا اشتبهت عليه القبلة، فلم يتحر وصلى إلى جهة إن علم أنه أخطأ، أو أكثر رأيه ذلك أو لم يعلم أنه أخطأ أوأصاب لا يجزئه، وإن علم أنه أصاب بجهته هذا كله قبل الفراغ من الصلاة، أما إذا لم يعلم أنه أخطأ أو أصاب إنما لا يجزئه؛ لأن التحري افترض عليه حالة الاشتباه شرطاً لجواز الصلاة، فإذا ترك التحري فقد ترك شرطاً من شرائط جواز الصلاة فلا يجزئه كما لو ترك شرطاً آخر، وإذا ظهر الكلام فيما إذا لم يعلم أنه أخطأ أو أكثر رأيه ذلك من طريق الأولى.

فرق بين هذا وبين المسألة الأولى، فإن في المسألة الأولى: إذا لم يعلم أنه أصاب أو لم يصب، فإنه يجزئه ووجه الفرق: أن في المسألة الأولى لم يصر تاركاً شرطاً من شرائط جواز الصلاة؛ لأن التحري إنما يجب حالة الاشتباه، ولم يشتبه عليه أن القبلة في المسألة الأولى أما ههنا اشتبه عليه أمر القبلة، فافترض عليه التحري شرطاً لجواز الصلاة، فإذا ترك ذلك فقد ترك شرطاً من شرائط جواز الصلاة فإن قيل: لو كان تاركاً شرطاً من شرائط جواز الصلاة لكان لا يجزئه، وإن علم أنه أصاب كما لو تحرى ووقع تحريه على جهة فترك تلك الجهة وصلى إلى جهة أخرى. الجواب: التحري ما افترض لعينه وإنما افترض لغيره، وهو إصابة القبلة؛ لأن التحري طلب، والمقصود من الطلب المطلوب لا عين الطلب، فإذا علم أنه أصاب القبلة تبين أن التحري لم يكن فرضاً عليه؛ لأن ما افترض لغيره لا يبقى فرضاً متى حصل المقصود منه بدونه كالسعي إلى الجمعة لا يبقى فرضاً متى حصل المقصود بدونه؛ بخلاف ما لو تحرى ووقع تحريه على جهة فتوجه إلى جهة أخرى؛ لأن هناك لعينه؛ لأن التوجه إلى الجهة التي وقع عليها التحري افترض لعينه؛ لأن هذه الجهة صارت قبلة له بنص الكتاب كالكعبة حالة العيان، والتوجه إلى الكعبة حالة العيان فرض لعينه فكذا التوجه إلى الجهة التي أدى تحريه. ومن ترك من صلاته ما هو فرض لعينه لا تجوز صلاته، وإن أتى بشيء آخر، كما لو ترك ركوعاً وأتى بثلاث سجدات.

فأما إذا كان أكثر رأيه أنه أصاب، وكان ذلك بعد الفراغ من الصلاة هل يجزئه؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذا في «الأصل» ، وقد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: يجزئه؛ لأن أكثر الرأي أقيم مقام العلم، ولو علم أنه أصاب يجزئه، فكذا هنا.

الدليل عليه: أن محمداً رحمه الله سوى بين العلم وأكثر الرأي قبل الفراغ من الصلاة، فقال: لو كان أكثر رأيه أنه صلى إلى القبلة قبل الفراغ من الصلاة يلزمه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015