الاستقبال كما لو علم أنه صلى إلى القبلة، ومنهم من قال: لا يجزئه؛ لأن التحري لزمه بيقين، فلا يسقط إلا بيقين مثله، وغالب الرأي لا يوجب علم اليقين فلا يسقط به فرض التحري، وهذا بخلاف ما لو كان أكثر رأيه في الصلاة أنه أصاب، فإنه يلزمه الاستقبال كما لو علم يقيناً؛ لأن أكثر الرأي في الصلاة إما أن يلحق بالعلم أو بالجهل، وبأي ذلك ما ألحقنا يلزمه الاستقبال إن ألحقناه بالعلم، فلأن الحالة الثابتة أقوى من الحالة الماضية، فلا يمكنه البناء على الماضي، وإن ألحقناه بالجهل فلفساد الشروع فأما بعد الفراغ فالتحري كان فرضاً عليه بيقين، فلا يسقط عنه إلا بيقين مثله.
الوجه الثالث: إذا شك وتحرى وصلى إلى الجهة التي وقع التحري عليها، وفي هذا الوجه تجزئه صلاته، وإن علم أنه أخطأ القبلة، وقال الشافعي رحمه الله: لا تجزئه صلاته، وإذا علم أنه أخطأ القبلة وجه قوله أنه أدى حكماً عن اجتهاده، وقد ظهر خطؤه بيقين فيلزمه الإعادة، كما لو توضأ بماء على ظن أنه طاهر ثم تبين أنه نجس.
وجه قول علمائنا رضي الله عنهم حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة وإنه معروف، وإنما مسألة الثوب، وإنا قلنا: القياس في القبلة أن لا يجوز كما في الثوب والماء، إلا أنا تركنا القياس في القبلة بالنص، وماثبت بخلاف القياس لا يقاس عليه غيره، والنص الوارد في القبلة لا يكون وارداً في الماء والثوب دلالة؛ لأن الصلاة إلى غير القبلة أخف من الصلاة بغير وضوء وفي ثوب نجس؛ لأن التطوع إلى غير القبلة يجوز بالعذر الذي لا تجوز بمثله الصلاة بغير وضوء، ولا في ثوب نجس، فإنه تعذر السير فيما دون السفر يجزئه التطوع إلى غير القبلة، ولا يجزئه بغير طهارة، ولا في ثوب نجس، وإذا كان أخف فالنص الوارد في القبلة بخلاف القياس، ويكون وارداً فيهما دلالة فرد فصل الماء والثوب إلى ما يقتضيه القياس والقياس ما قاله، وهذا إذا كان بعد الفراغ من الصلاة.
فأما قبل الفراغ من الصلاة إذا علم أنه أصاب القبلة فإنه يمضي في صلاته، ولا يستقبل؛ لأن الحالة الثانية مثل الحالة الأولى؛ لأن الجهة التي وقع عليها التحري صارت قبلة بالنص كالكعبة، وإذا كانت الحالة الثانية مثل الأولى لا فوقه أمكنه البناء على الحالة الأولى، ألا ترى أن أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس، فلما تحولت القبلة إلى الكعبة تحولوا إليها، وهم في الصلاة وأجزأتهم صلاتهم؟
الوجه الرابع: إذا شك وتحرى، وأعرض عن الجهة التي وقع تحريه عليها وصلى إلى جهة أخرى لا يجزئه في ظاهر رواية أصحابنا، وروى أبو سليمان الجوزجاني عن أبي يوسف أنه يجوز، وجه ظاهر الرواية ما ذكرنا، وجه رواية أبي سليمان أن التوجه إلى الجهة التي وقع تحريه عليها لم يفترض لعينه بل إنها كعبة حقيقة، فإذا أصاب الكعبة بجهة أخرى فقد حصل المقصود من التوجه إلى الجهة التي وقع تحريه عليها فيسقط فرضه التوجه إليها.
ومما يلحق بهذا الفصل إذا صلى إلى الجهة التي وقع تحريه عليها ركعة أو ركعتين، ثم علم أنه أخطأ فعليه أن يتحول إلى جهة الكعبة، ويبني على صلاته، وإذا وقع تحريه