حتى أن المولى يملك إجارة المدبر والمدبرة، واستخدامهما وتزويجهما، وكل تصرف لا يقع لحر نحو البيع والإمهار يمتنع في المدبر حتى إن المولى لا يملك بيعهما وإمهارها، وهذا لأن المدبر باق على حكم ملك المولى إلا أنه انعقد سبب الحرية في حقه، وكل (نفس) تصرف يبطل هذا السبب فالتدبير يمنع المولى عنه صيانة لحق المدبر عن البطلان، وكل تصرف لا يبطل هذا السبب فالمولى يكون مطلقاً فيه بحكم ملك الرقبة.
إذا بثت هذا فنقول: الإجارة والنكاح والاستخدام لا يبطل هذا السبب، فلا يمنع على المولى بحكم التدبير، ويجوز كتابته أيضاً؛ لأن بالكتابة لا يبطل (334أ1) السبب المنعقد حقاً للمدبر، بل بالكتابة يتعجل عند أداء بدل الكتابة ما كان مؤخراً إلى يوم الموت ويجوز رهنه؛ لأن موجب الرهن هو..... بدار استيفاء، واستيفاء الدين من مالية المدبر غير ممكن، لأن استيفاء الدين من المالية يكون بطريق البيع، وبيع المدبر لا يجوز، وإذا تعذر حقيقة الاستيفاء من مالية المدبر لا يثبت به الاستيفاء واكتساب المدبر والمدبرة للمولى، وكذلك إن بيعهما ومهرهما للمولى؛ لأنهما بقيا على حكم ملك المولى كالأمة، وولاؤهما للذي دبر لا ينتقل عنه حتى إن المدبر إذا كان بين اثنين أعتقه أحدهما وهو موسر وضمن قيمته (في) نصيب شريكه عتق المدبر، ولم يتغير المولى؛ لأن العتق ها هنا ثبت من جهة المدبر في الحقيقة لا من جهة الذي أعتقه؛ لأن المعتق بأداء الضمان لا يملك نصيب الشريك ها هنا؛ لأن المدبر لا يقبل الانتقال من ملك إلى ملك، وإنما وجب الضمان لإيثار الحيلولة بين المدبر والمولى إبراء أن يقال بأن المعتق يتملك نصيب صاحبه من المدبر ولاء، ولما كان الطريق هذا كان العتق في نصيب المدبر من جهته لا من جهة المعتق، فيكون الولاء للمدبر بهذا، والله أعلم.
نوع آخر من هذا الفصل
عبد بين رجلين دبره أحدهما، فعلى قول أبي يوسف ومحمّد رحمهما الله: يصير الكل مدبراً؛ لأن التدبير عندها لا يتجزأ، وعند أبي حنيفة رحمه الله يقتصر التدبير على نصيب المدبر؛ لأن التدبير عنده متجزىء، والشريك الساكت في نصيبه خيارات خمسة، فعند أبي حنيفة: إن كان المدبر موسراً إن شاء دبر نصيبه، وإن شاء أعتق، وإن شاء استسعاه ليعتق، وإن شاء تركه كذلك، وإن شاء ضمن المدبر قيمة نصيبه. وخيارات أربعة إن كان المدبر معسراً: ليس له حق تضمين المدبر في هذه الصورة، كذا ذكر المسألة في عتاق «الأصل» ، وذكر هذه المسألة في «الجامع الكبير» ، ولم يذكر خيار العتق.
حكي عن الفقيه أبي بكر البلخي رحمه الله أنه كان يقول: في المسألة روايتان: على رواية «الجامع» ليس للساكت أن يعتق نصيبه، وكان يأخذ بهذه الرواية ويقول بأن الساكت بإعتاق نصيبه يضر بالمدبر بتفويت منفعة الحرمة من غير حاجة إليه، ولا يجوز للإنسان أن