وذكر الخصاف في «أدب القاضي» عن أصحابنا رحمهم الله: أن في النفقة والمهر القول قول الزوج حتى لا يحبس الزوج ما لم تثبت المرأة يساره فصار في النفقة والمهر روايتان. فعلى ظاهر الرواية والمهر وعلى رواية الخصاف لم يجعل هكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله.
وذكر محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا وقع الاختلاف بين المرأة والزوج، فقال الزوج: أنا معسر وعليّ نفقة المعسرين، وقالت المرأة: لا بل أنت موسر وعليك نفقة الموسرين فالقول قول الزوج مع يمينه وعلى المرأة البينة؛ لأن الفقر في الناس أصل، فالزوج يتمسك بما هو الأصل فيكون القول قوله مع يمينه.
وهكذا ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في «شرحه» ولم يذكر أن هذه المسألة على الروايتين، وإنما كان هكذا؛ لأن الإقدام على النكاح يمكن أن يجعل إقراراً بالقدرة على أصل النفقة، أما لا يمكن أن يُجعل إقراراً بالقدرة على نفقة الموسرين فلهذا كانت هذه المسألة على رواية واحدة.
ومن المتأخرين...... في المسألة الثانية يحكم فيه وبه. وإن كان عليه دين للأغنياء لم يقبل قوله أنه معسر، لأن الدين علامة على غناه وما ظهر من العلامة يجعل حكماً عند انعدام دليل قوله، قال الله تعالى: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} (التوبة: 46) وقال الله تعالى: في قصة يوسف عليه السلام {إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين} (يوسف: 26) ففي هذا دليل على أن ما ظهر من العلامة يُجعل حكماً فيجعل الدين حكماً إلا في النفقات، فإنهم يتكلفون في الدين مع العسرة لتعطيهم الناس، ولا يُجعل الدين في حقهم حكماً، لظهور العادة بخلافه.
فعلى هذا القول إن كان على الزوج دين للفقراء (قالت) المرأة إن هذا غرر به وكان عليه دين الأغنياء قبل أن يحضر مجلس القاضي فإن القاضي يسألها البينة، فإن أقامت البينة على ذلك يسمع القاضي ويجعل القول قولها، وإن لم يمكنها إقامة البينة للحال (يحكم) بحكم الله تعالى في الحال ويجعل القول قول الزوج.
ثم فرع على المسألة الثانية فقال على «ظاهر الرواية» إذا لم يكن للمرأة بينة على يساره فسألت القاضي أن يسأل عن يسار الزوج في السر وليس على القاضي ذلك؛ لأن القاضي وجد دليلاً آخر، فإن يعتمد لفصل الحكم وهو التمسك بالأصل فليس عليه أن يطلب دليلاً آخر. فإن سأل فأتاه عنه أنه موسر لا يفرض القاضي عليه نفقة الموسرين، إلا أن يخبره رجلان عدلان أنه موسر ويكونان بمنزلة الشاهدان يشهدان على يساره، ولا يحتاج لفظة الشهادة لأن في النفقة حق الله تعالى وحق المرأة؛ لأنها وجبت بالاحتباس وفي الاحتباس حق الله تعالى وحق الزوج على ما ذكرنا فما وجب بمقابلة الاحتباس يكون حق الله تعالى وحق الله (وحق) المرأة وحق الله تعالى يثبت بقول الواحد شهد بذلك