هشام في «نوادره» عن محمد رحمه الله أن للقاضي أن يسأله عن ماله ولم يعتبر في ذلك مدة، فإذا سأل عنه فقامت البينة على عسرته أخرجه القاضي من الحبس ولا يحتاج إلى لفظة الشهادة بل إذا أخبر بذلك يكفي، قال الشيخ الإمام خواهر زاده رحمه الله: هذا السؤال من القاضي بعد حبسه احتياط وليس بواجب؛ لأن الشهادة بالفقر شهادة بالنفي والشهادة بالنفي وليست بحجة فكان للقاضي أن لا يسأل ويعمل برأيه ولكن لو سأل مع هذا كان أحوط وأنفى للتهمه عن القاضي، ثم إذا أخبر أنه معسر وخلّى سبيله لا يحول بين الطالب وبين ملازمته عندنا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال: «لصاحب الحق يد ولسان» والمراد باليد الملازمة فإن أقام المحبوس بينة على عسرته وأقام صاحب الحق بينة على يساره أخذ ببنية صاحب الحق؛ لأن بينته ثبتت أمراً عارضاً ليس بثابت، وبينة المحبوس ثبتت أمراً أصلياً وهو الفقر فكانت بنية صاحب الحق أكثر ثبتت إثباتاً فكانت أولى بالقبول.
وإن قامت البينة على عسرته قبل الحبس هل يقبل القاضي ذلك؟ فيه روايتان.
في إحدى الروايتين تقبل وبه كان يفتي الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل البخاري رحمه الله.
وفي رواية أخرى لا تقبل وبه كان يفتي عامة المشايخ وهو الصحيح.
قال وإن كان المحبوس....... أدام القاضي حبسه حتى يودي النفقه والدين فبعد ذلك إن كان ماله من جنس النفقة والدين؛ أدى القاضي ذلك من ماله، وإن كان ماله عروضاً وعقاراً فالقاضي لا يبيع شيئاً من ذلك لا في النفقة ولا في الدين إلا برضاه وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله، وعلى قولهما يبيع عروضه في النفقة والدين رواية واحدة.
ويبيع العقار أيضاً في أظهر الروايتين عنهما ذكر قولهما في العروض في ظاهر الرواية وفي العقار وجميع الأموال في «أدب القاضي» للخصاف في باب الحبس في الدين، ثم إذا ثبت للقاضي ولاية البيع عندهما يبدأ بالعروض، فإذا لم يف ثمن العروض بالدين والنفقة يشتغل حينئذ ببيع العقار وترتيب الأموال في قضاء الدين وذكره في «الجامع» على سبيل الاستقصاء.
ثم قال خواهر زاده رحمه الله في «شرحه» : فيما ذكر في ابتداء هذه المسألة إشارة إلى أن قول الزوج أنه عاجز لكان لا يحبسه، لأن القول قول المرأة في أنه قادر على الإنفاق، فإنه لو كان القول قول الزوج أنه عاجز لكان يحبسه القاضي وإن عادت إليه مراراً، وذكر في كتاب الحوالة والكفالة أنه إذا أوجب المهر على إنسان ولم يوجب دواعي أنه معسر وادعت المرأة أنه قادر فالقول قول المرأة حتى يحبسه القاضي. إذا عادت به إليه مرتين أو ثلاث فقد سوى في «ظاهر الرواية» بين النفقة والمهر والقرض وثمن البيع.