النوع السادس في الاختلاف الواقع بين الزوجين في دعوى اليسار والعسار
قال في «الكتاب» : روي أن امرأة اختصمت مع زوجها في نفقتها، فقال الزوج: ليس عندي نفقة. فقال لها أبو يوسف رحمه الله: خذي عمامته وانفقيها على نفسك قال الفقيه أبو يوسف رحمه الله: يحتمل أن أبا يوسف رحمه الله عرف أن له عمامة أخرى، وأما لو لم يكن له عمامة أخرى لا يجب عليه أن يبيع هذه العمامة في النفقة ولا في سائر الديون وفي «شرح أدب القاضي للخصاف» إنه لا يجب عليه أن يبيع مسكنه وخادمه لأن هذا من أصول حوائجه وحاجته مقدمة على سائر الديون ويبيع ما سوى ذلك.
ومن المشايخ من قال: لا يجب عليه بيع الإزارات به حاجة إلى الإزار وهي الحاجة إلى ستر العورة. وأما ما سوى الإزار يجب عليه أن يبيع الإزار إذا كان موضع برد، فحينئذٍ يترك لنفسه ما يدفع ضرر البرد، ويبيع ما سوى ذلك.
ومن المشايخ من قال: يترك لنفسه دستاً من الثياب ويبيع ما سوى ذلك. وإليه مال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله. ومن المشايخ من قال: يترك لنفسه دستين ويبيع ما سوى ذلك وإليه مال شمس الأئمة السرخسي رحمه الله، وهذا لأن الحاجة ماسّة إلى دستين فإنه إذا غسل أحدهما يحتاج إلى الآخر، وأما إذا كان له ثياب خشنة يمكنه الاكتفاء بما دون ذلك يبيع ثيابه ويشتري بالبعض ثوباً يكفيه وبالباقي يقضي الديون وينفق على زوجته به ورد الأثر هكذا ذكر في «شرح أدب القاضي» : للخصاف في باب الملازمة.
قال محمد رحمه الله في «الكتاب» : وإذا فرض القاضي نفقة المرأة على الزوج فامتنع الزوج من الإنفاق فقال: أنا معسرٌ، وقالت: لا بل هو موسرٌ وطلبت المرأة من القاضي أن يحبسه بالنفقة لا يحبسه القاضي أول مرة؛ لأن الحبس عقوبة لا يستوجبها إلا الظالم ولم يظهر ظلمه في أول مرة فلا يحبسه، ولكن يأمره بالإنفاق ويخبره أنه يحبسه إن عادت. فإذا عادت إليه مرتين أو ثلاثة حبسه لظهور ظلمه.
وإذا حبسه لا تسقط عنه النفقة ويؤمر بالاستدانة حتى يرجع على الزوج، إذا ظهر له قال: وإنما كان هكذا؛ لأن هذا حبسٌ بحق وجد، وحد المنع من جهته فتلزمه النفقة لما يستقبل وهو في الحبس. فإن قال الزوج للقاضي: احبسها معي فإن لي موضعاً في الحبس خالصاً فالقاضي لا يحبسها معه، ولكنها تصير في منزل الزوج. ويحبس الزوج لها، ثم إذا حبسه القاضي إن علم أنه محتاج خلى سبيله؛ لأنه مستحق للنظر إلى ميسرة بالنص.
قال: وينبغي للقاضي إذا حبس الرجل شهرين أو ثلاثة في نفقةٍ أو دينٍ أن يسأل عنه. وفي بعض المواضع ذكر أربعة أشهر. وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله أشهر.
والحاصل: أنه ليس فيه تقدير لازم؛ لأن الحبس للإنزجار وذلك مما تختلف فيه أحوال الناس فيكون ذلك مفوضاً إلى رأي القاضي، فإن وقع في رأي القاضي أن هذا الرجل يضجر بهذه المدة ويظهِر المال إن كان له مال، سأل عنه بعد ذلك، وذكر (307أ1)