فقلت له: إنهما ليسا لعبد الله بن المعتز، وإنما هما لأبي بكر محمد بن السراج، وقصصت له قصتها؛ فعجب من ذلك. واجتمع أبو العباس أحمد بن محمد ابن الفرات بالمكتفي وأنشده البيتين؛ فسأله: من قائلهما؟ فقال: هما لعبيد الله ابن عبد الله بن طاهر، سهواً منه؛ فقال: أحمل إلية ألف دينار! فلما اجتمع زنجي بأبي العباس، أخبره بالقصة. فقال له زنجي: ما قلت إلا أنهما لعبد الله بن المعتز، وقد أخبرني بعدك الأوارجيّ أنهما لأبي بكر بن السرّاج. فقال: غلطت أنت، وغلطت أنا، وقد ساق الله تعالى لابن طاهر رزقاً، وأعطاني الألف دينار وقال: امضِ بها إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وسلّمها له من يدك، وأخبره الخبر! ففعلت، فأخذها، وشكر. فانظرْ ما أعجب هذه القصة! حُرِمها صاحبها وأخذها غيره بالوهم!

وبعد هذا كلّه، لم يمت ابن السرّاج حتى ملك القينة وأولدها ولده، وكانت تحبّه حباً شديداً لحبها. قال بعض الرواة: حضرت مجلس ابن السراج وهو يُقريءُ الناس النحو وغيره من أنواع الأدب، وإلى جانبه ابن له صغير، وهو شديد الحنوِّ عليه؛ فقال له بعض الحاضرين: أتحبّه أيّها الشيخ؟ فقال متمثلاً: رجز:

أُحبُّه حُبَّ الشحيح مالَهْ ... قد كان ذاقَ الفقر ثم نالَهْ

قال الأوارجيُّ: وأنشدني ابن السرّاج لنفسه، وقد جدّر إبن يانس المغني - وكان من أحسن الناس وجهاً - وكان قد علق به وهويه: سريع:

يا قمراً جُدِّر لما استوى ... فزادني حُزْناً وزادتْ هُمومي

أظنه غنّى لشمسِ الضحى فنقَّطته طرَباً بالنجومِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015