الرشيد: ما لك عندنا أكبر من الشعر! فلا حاجة لك. فأبى إلا مسألته الإذن له في ذلك. فلمّا ألحّ، قال له: هاته! ثم أنصت له، فقام مقام الشاعر، وكان إذا مرّ الشيء الحسن والمعنى الجيد قال له: أحسنت كما يقول للشعراء، حتى فرغ؛ فلما نهض، أقبل الرشيد على خالد وقال: قد كنت أثق بهذا الرجل، أرعى له خؤولته، وأحدث نفسي أن أوَليَّه اليمن، ثم أقول اليمن لها قدر، ولكن أُوَليّه اليمامة، فإنه بلد عربي وهي شبيهة باليمن؛ وأمتحنه باليمامة، فإن وجدت عنده ما أُحب، رفعته إلى اليمن؛ فلما أقام نفسه مقام الشعراء، سقط من عيني، فاعطِه ثلاثين ألف درهم لشعره!.
عالم بالشعر وأوزانه وعلم القوافي، وله شعر صالح، منه: خفيف:
يَكْلأُ الله من جفانِيَ وَجداً ... وسباني بغُنجِه ثم صَدَّا
إن يَكُنْ غابَ لم يغِب عن ضميري ... عَيْنُ قلبِي تراه قُرباً وبُعدا
حلَّ منِّي محلَّ روحيَ منه ... ليتَه أعقب التَّجنُّبَ وُدَّا!!
وقال: خفيف:
عبرتِي فيك ما لها من نَفاد ... وزفيري ولوعتي في ازدياد
يا وَصول الغداة يُغري سقيماً ... باتّصال الأسى وهجر الرّقاد
عبدُك المحض ودّه لك، تُقصي ... هـ لتشفِي به قلوب الأعادي!
كيف ترضى خلاف حسنِك يا من ... حُسنُه فاق حسنَ كلِّ العباد؟