وجميل جده، وهو أشهر من أبيه ولا يعرف إلا به، وأبوه أبو العز ابن جميل من أهل جُبَّى قرية عند هيت. دخل إلى بغداد في أول عمره، وقرأ على مشائخها المتأخرين، وتولى عدة خدم ديوانية في أيام الإمام الناصر أحمد بن المستضيء، منها صدرية المخزن وصرف دفعات، وكان فيه فضل وأدب، وله شعر، وكان يظن بنفسه الكثير حتى لا يرى أحداً مثله وقد كان أنشأ مقامة ظهر منها قطعة رأيتها في جملة جرار، وأحضرت من بغداد إلى حلب للبيع وهي بخطه، وكان خطاً متوسطاً، صحيح الوضع، فيه يبس نقطه ثابتة لا تكاد تتغيّر، وشعره جيد مصنوع لا مطبوع. وكان ظالم النفوس، عسوفاً فيما يتولاه، تولى الترك الحشوية في أول أمره، ثم تولى عدالة المخزن ثم توصل حتى تولى صاحب مخزن وقال يوماً لبعض العاملين: " خف عذابي فإنه أليم شديد " فقال له الرجل: " فأنت إذاً الله لا إله إلا هو "! فخجل ولم يمنعه ذلك ولم يردعه عما أراده من ظلمه. وكان ببغداد رجل تاجر يعرف بابن العينبري وكان صديقاً له، فلما حضرته الوفاة، سأله الحضور إليه؛ فلما حضر، قال له: " أنا طيّب النفس بموتي في زمان ولايتك ليكون جاهك على أطفالي وعيالي ". فوعده فيهم جميلاً. فلما مات، حضر إلى تركته وباشرها، فرأى فيها ألف دينار عيناً، فأخذها وحملها إلى الإمام الناصر وأصحبها مطالعة منه يقول فيها: مات ابن العينبري، ورَّث الله الشريعة أعمار الخلائق، وقد حمل المملوك من المال الحلال الصالح للخزن الشريف ستة ألف دينار، وهو في عهدة تبعتها دنيا وأخرى. وسأله بعض التجار الغرباء العناية بشخص في إيصال حقه إليه من المخزن، فوعده ومطله وكان ذلك بعد أن تولى صاحب مخزن، وكانت جامكيَّتُه، وهو