المحلي بالاثار (صفحة 4889)

فِيهِمْ كَالْقَوْلِ فِي الْأُسَرَاءِ سَوَاءً، لِأَنَّ الْجَرِيحَ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَسِيرٌ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ وَكَانَ مُمْتَنِعًا فَهُوَ بَاغٍ كَسَائِرِ أَصْحَابِهِ.

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: لَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ، وَلَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ - وَكَانَ لَا يَأْخُذُ مَالًا لِمَقْتُولٍ، يَقُولُ: مَنْ اعْتَرَفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ جُوَيْبِرٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ قَالَتْ: سَمِعْت عَمَّارًا بَعْد مَا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْجَمَلِ يُنَادِي: لَا تَقْتُلُنَّ مُدْبِرًا وَلَا مُقْبِلًا، وَلَا تُذَفِّفُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا تَدْخُلُوا دَارًا، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، كَالْمَأْسُورِ، قَدْ قَدَرْنَا أَنْ نُصْلِحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبْغِيِّ عَلَيْهِ بِالْعَدْلِ، وَهُوَ أَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ الْبَغْيِ، بِأَنْ نُمْسِكَهُ وَلَا نَدَعَهُ يُقَاتِلَ.

وَكَذَلِكَ الْجَرِيحُ إذَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، وَنَصُّ هَذِهِ الْآيَةِ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ دَمِ الْأَسِيرِ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهَا إيجَابَ الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا - نَعْنِي الْبَاغِيَ وَالْمَبْغِيَّ عَلَيْهِ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيِّتٍ، وَإِنَّمَا يُصْلَحُ بَيْنَ حَيَّيْنِ - فَصَحَّ تَحْرِيمُ دَمِ الْأَسِيرِ، وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ بِيَقِينٍ.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ اتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُتْبَعُ الْمُدْبِرُ مِنْهُمْ أَصْلًا.

وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ كَانُوا تَارِكِينَ لِلْقِتَالِ جُمْلَةً، مُنْصَرِفِينَ إلَى بُيُوتِهِمْ، فَلَا يَحِلُّ اتِّبَاعُهُمْ أَصْلًا، وَإِنْ كَانُوا مُنْحَازِينَ إلَى فِئَةٍ أَوْ لَائِذِينَ بِمَعْقِلٍ يَمْتَنِعُونَ فِيهِ، أَوْ زَائِلِينَ عَنْ الْغَالِبِينَ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ إلَى مَكَان يَأْمَنُونَهُمْ فِيهِ لِمَجِيءِ اللَّيْلِ، أَوْ بِبُعْدِ الشُّقَّةِ ثَمَّ يَعُودُونَ إلَى حَالِهِمْ: فَيُتْبَعُونَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا نَقُولُ؛ لِأَنَّهُ نَصُّ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْنَا قِتَالَهُمْ حَتَّى يَفِيئُوا إلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا فَاءُوا حَرُمَ عَلَيْنَا قَتْلُهُمْ وَقِتَالُهُمْ، فَهُمْ إذَا أَدْبَرُوا تَارِكِينَ لِبَغْيِهِمْ، رَاجِعِينَ إلَى مَنَازِلِهِمْ، أَوْ مُتَفَرِّقِينَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ، فَبِتَرْكِهِمْ الْبَغْيَ صَارُوا فَائِينَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِذَا فَاءُوا إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَقَدْ حَرُمَ قَتْلُهُمْ، وَإِذَا حَرُمَ قَتْلُهُمْ فَلَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015