أَنَا لِمَنْ يُنْكِرُنِي ابْنُ يَثْرِبِيّ ... قَاتِلٌ عَلِيًّا وَهِنْدَ الْجَمَلِ
ثُمَّ ابْنَ صُوحَانَ عَلَى دِينِ عَلِيٍّ
فَأُسِرَ، فَأُتِيَ بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ: اسْتَبْقِنِي؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَبْعَدَ إقْرَارِكَ بِقَتْلِ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: عَلِيًّا، وَهِنْدًا، وَابْنَ صُوحَانَ - وَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ - فَإِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيٌّ قَوَدًا بِنَصِّ كَلَامِهِ - وَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقَوَدَ فِي مِثْلِ هَذَا؟ فَعَادَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَلَاحَ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ وَلِفِعْلِهِ وَالرَّابِعُ - أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ الْأُسَرَاءِ فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ - عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَبَطَلَ تَعَلَّقَهُمْ بِفِعْلِ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، وَمَا نَعْلَمُهُمْ شَغَبُوا بِشَيْءٍ غَيْرَ هَذَا.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ كَانَ قَتْلُهُ - بِلَا خِلَافٍ - مُبَاحًا قَبْلَ الْإِسَارِ، فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْإِسَارِ حَتَّى يَمْنَعَ مِنْهُ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ؟ قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا بَاطِلٌ، وَمَا حَلَّ قَتْلُهُ قَطُّ قَبْلَ الْإِسَارِ مُطْلَقًا، لَكِنْ حَلَّ قَتْلُهُ مَا دَامَ بَاغِيًا مُدَافِعًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَاغِيًا مُدَافِعًا: حَرُمَ قَتْلُهُ - وَهُوَ إذَا أُسِرَ فَلَيْسَ حِينَئِذٍ بَاغِيًا، وَلَا مُدَافِعًا: فَدَمُهُ حَرَامٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ الْقِتَالَ وَقَعَدَ مَكَانَهُ وَلَمْ يُدَافِعْ لَحَرُمَ دَمُهُ - وَإِنْ لَمْ يُؤْسَرْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] وَلَمْ يَقُلْ: قَاتِلُوا الَّتِي تَبْقَى، وَالْقِتَالُ وَالْمُقَاتَلَةُ فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ، فَإِنَّمَا حَلَّ قِتَالُ الْبَاغِي، وَمُقَاتَلَتُهُ، وَلَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُ قَطُّ فِي غَيْرِ الْمُقَاتَلَةِ، وَالْقِتَالِ، فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالُوا نَقِيسُهُ عَلَى الْمُحَارِبِ؟ قُلْنَا: الْمُحَارِبُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ يُقْتَلُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَرْبِ وَبَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ فِي أَنَّ حُكْمَهُ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ سَوَاءٌ - وَأَيْضًا فَلَيْسَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّ حُكْمَ الْبَاغِي غَيْرُ حُكْمِ الْمُحَارِبِ، وَبِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ حُكْمِهِمَا جَاءَ الْقُرْآنُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْإِجْهَازِ عَلَى جَرْحَاهُمْ، وَالْقَوْلُ