وَأَمَّا رِوَايَتُهُمْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - وَلَمْ يُولَدْ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِنَحْوِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً - وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ الثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافًا لَهُ.
وَأَمَّا تَعَلُّقُهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْقَاتِلِ، فَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَمُحَالٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ، وَتَكَلُّفٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ - مَعَ أَنَّهُ خِلَافٌ لِقَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ فِي الْآيَةِ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] فَقَالُوا هُمْ: بَلْ نَتْبَعُ بِضَرْبِ مِائَةِ سَوْطٍ وَنَفْيِ سَنَةٍ بِلَا نَصٍّ أَوْجَبَ ذَلِكَ أَصْلًا، وَلَا رِوَايَةٍ عَنْ صَاحِبٍ - وَلَا يَشُكُّ ذُو فَهْمٍ أَنَّ الْمَعْفُوَّ لَهُ مِنْ دِيَتِهِ فِي أَخِيهِ هُوَ الْقَاتِلُ، وَأَمَّا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فَلَمْ يُعْفَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَخِيهِ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا تَأَوَّلُوهُ بِالْبَاطِلِ لَكَانَ مُخَالِفًا لِأَقْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ مُرَاعَاةَ رِضَا الْوَلِيِّ، بَلْ كَانَ يَكُونُ الْخِيَارُ حِينَئِذٍ لِلْقَاتِلِ فَقَطْ - وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ - فَصَحَّ أَنَّ تَأْوِيلَهُمْ فِي الْآيَةِ مُحَالٌ بَاطِلٌ مُمْتَنِعٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ أَصْلًا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى فِيهِ أَيْضًا: إمَّا أَنْ يُقَادَ وَإِمَّا أَنْ يُفَادَى أَهْلُ الْقَتِيلِ: فَصَحِيحٌ، وَهُوَ مَعْنًى ثَالِثٌ، وَبِهِ نَقُولُ، وَهُوَ اتِّفَاقُهُمْ كُلُّهُمْ - الْقَاتِلُ وَأَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ - عَلَى فِدَاءِ الْقَاتِلِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ، وَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِمَّا صَحَّ، وَلَا ضَرْبُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ - فَهَذَا هُوَ التَّلَاعُبُ بِالدِّينِ، وَكَيْدُ الْإِسْلَامِ جِهَارًا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَيْسَ تَرْكُ الصَّحِيحِ مِمَّا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ مِنْ أَنْ يُقَادَ أَوْ يُودَى مِنْ أَجْلِ مَا قَدْ صَحَّ أَيْضًا مِنْ أَنْ يُقَادَ أَوْ يُفَادَى بِأَوْلَى مِنْ آخَرَ خَالَفَ الْحَقَّ، فَتَرَكَ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَنْ يُفَادَى مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ: أَوْ يُودَى - وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ - فَصَحَّ أَنَّ أَخْذَ كُلِّ ذَلِكَ، وَضَمَّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ: هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ.
وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ فِي خَبَرِ أَبِي شُرَيْحٍ بِرِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ: فَسُفْيَانُ مَجْهُولٌ