المحلي بالاثار (صفحة 4503)

إذْ قَالُوا: مَنْ كَسَرَ قَلْبَ فِضَّةٍ لِغَيْرِهِ فَصَاحِبُ الْقَلْبِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ قَلْبِهِ كَمَا هُوَ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا غَيْرَ مَكْسُورٍ مِنْ الذَّهَبِ - أَحَبَّ الْكَاسِرُ أَوْ أَبَى.

وَإِذْ قَالُوا: مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا لِآخَرَ فَقَطَعَهُ قِطَعًا اسْتَهْلَكَهُ بِهِ، كَحَرْقٍ أَوْ خَرْقٍ فِي بَعْضِهِ؟ فَإِنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ ثَوْبَهُ وَقِيمَةَ نُقْصَانِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ لِلْغَاصِبِ وَأَلْزَمَهُ قِيمَتَهُ صَحِيحًا - بِخِلَافِ الْحُكْمِ لَوْ قَطَعَهُ قَمِيصًا.

بِخِلَافِ الْقَمْحِ إذَا طَحَنَهُ دَقِيقًا وَالدَّقِيقِ إذَا خَبَزَهُ خُبْزًا، وَاللَّحْمِ إذَا طَبَخَهُ أَوْ شَوَاهُ، فَلَمْ يَرَوْا لِلْمَغْصُوبِ فِي كُلِّ هَذَا إلَّا قِيمَةَ مَا غُصِبَ مِنْهُ فَقَطْ - وَجَعَلُوا الْقَمِيصَ، وَالْخُبْزَ، وَالطَّبْخَ، وَالشِّوَاءَ: حَلَالًا لِلْغَاصِبِ، بِحُكْمِ إبْلِيسَ اللَّعِينِ.

فَهَذِهِ أَبْدَالٌ أَوْجَبُوهَا بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ فَرْضًا مِنْ حُقُوقٍ وَاجِبَةٍ بِغَيْرِ رِضَا الَّذِي أَلْزَمُوهَا إيَّاهَا، وَلَا طِيبِ نَفْسِهِ.

وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَعْتَرِضُ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحْكَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْقَضَايَا الْخَبِيثَةِ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنْ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَخْتَارَهُ؟ فَقَوْلٌ سَخِيفٌ، بَلْ عَفْوُهُ عَنْ الْقَوَدِ جَائِزٌ، وَتَبْقَى لَهُ الدِّيَةُ، إلَّا أَنَّ الْعَفْوَ عَنْهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَنَّهُ إذَا اخْتَارَ الْقَوَدَ: فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الدِّيَةِ، وَإِذَا اخْتَارَ الدِّيَةَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الْقَوَدِ، وَإِذَا عَفَا عَنْ الْقَوَدِ بَقِيَ حُكْمُهُ فِي الْقِسْمِ الْآخَرِ - وَهُوَ الدِّيَةُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ التَّخْيِيرَ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ إلَّا بِمَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ: فَصَحِيحٌ، وَالنَّسْخُ جَائِزٌ؛ لِمَا فِي الْقُرْآنِ بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.

وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا لِلسُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ، وَبِخَبَرٍ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ أَيْضًا.

فَلَوْ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذَا الْقَوْلِ حَيْثُ زَادُوا عَلَى النَّسْخِ بِالْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ، كَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ، وَالتَّدْلِيكِ فِي الْغُسْلِ - وَكَإِيجَابِ الدِّيَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ بِقِيَاسٍ، أَوْ رِوَايَةٍ سَاقِطَةٍ أَوْ تَقْلِيدٍ بِغَيْرِ نَصٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015