فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الدِّيَةَ، أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ وَجَبَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الزَّاعِمِ - رَضِيَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ أَوْ كَرِهَ - طَابَتْ نَفْسُهُ، أَوْ خَبُثَتْ كَمَا قُلْنَا.
وَقَالُوا فِي الْعَاقِلَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَلَوْ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ حَيْثُ أَوْجَبُوا الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ، وَإِنْ كَرِهُوا وَلَمْ تَطِبْ أَنْفُسُهُمْ وَلَا رَضُوا وَلَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ - وَهَذَا هُوَ الْأَكْلُ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَقًّا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194] وَ {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَحَقٌّ كُلُّ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] ، وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إمَّا أَنْ يُقَادَ وَإِمَّا أَنْ يُودَى» حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى تِلْكَ الْآيَاتِ، وَأَحْكَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَحْكَامُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهَا حَقٌّ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ - وَلَا يَحِلُّ خِلَافُ شَيْءٍ مِنْهَا.
وَلَوْ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ حَيْثُ خَالَفُوهَا مِنْ إسْقَاطِهِمْ الْقَوَدَ لِلْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ، وَإِسْقَاطِ الْقَوَدِ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ مِنْ أَجْلِ عَفْوِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِسْقَاطِ بَعْضِهِمْ الْقَوَدَ لِلْعَبْدِ مِنْ الْحُرِّ -: لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] فَحَقٌّ، وَبِهِ نَقُولُ: إذَا اخْتَارَ الْقَوَدَ فَلْيَقْتُلْ قَاتِلَ وَلِيِّهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُسْرِفَ فَيَقْتُلَ غَيْرَ قَاتِلِهِ - وَلَيْسَ هَاهُنَا ذِكْرُ الدِّيَةِ الَّتِي قَدْ وَرَدَ حُكْمُهَا فِي نَصٍّ آخَرَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا يَخْلُو وَلِيُّ الْمَقْتُولِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْقِصَاصُ، أَوْ أَخْذُ الدِّيَةِ بَدَلًا مِنْ الْقِصَاصِ.
قَالُوا: وَلَمْ نَجِدْ قَطُّ حَقًّا لِإِنْسَانٍ يَكُونُ لَهُ أَخْذُ بَدَلٍ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ - فَهَذَيَانٌ نَسَوْا فِيهِ أَقْوَالَهُمْ الْفَاسِدَةَ.