قُلْنَا: نَعَمْ، هَذَا حَقُّهُ، وَالصِّلَةُ: هِيَ أَنْ لَا يَدَعَهُ يَسْأَلَ وَيَتَكَفَّفَ، أَوْ يَمُوتَ جَوْعًا أَوْ بَرْدًا، أَوْ ضَيَاعًا، أَوْ يُضْحِي لِلشَّمْسِ وَالْمَطَرِ وَالرِّيحِ وَالْبَرْدِ، وَهُوَ ذُو فَضْلَةٍ مِنْ مَالٍ هُوَ عَنْهَا فِي غِنًى، وَلَيْسَ فِي الْقَطِيعَةِ شَيْءٌ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَدَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَا.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ قَدْ قَرَنَ ذَوِي الْقُرْبَى بِالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَحَقُّ الْمَسَاكِينِ عَلَى كُلِّ مَنْ بِحَضْرَتِهِمْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ فَرْضًا يُجْبَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَقْضِي الْحَاكِمُ عَلَيْهِمْ بِهِ، وَكَذَلِكَ حَقُّ ابْنِ السَّبِيلِ ضِيَافَتُهُ، فَإِنْ قِيلَ: مَنْ هُمْ ذَوُو الْقُرْبَى هَؤُلَاءِ؟ قُلْنَا: كُلُّ مَنْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُنْتَسِلُونَ مِنْ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَامْرَأَتِهِ، وَابْنًا بَعْدَ ابْنٍ، وَوِلَادَةً بَعْدَ وِلَادَةٍ، إلَى أَبِ الْإِنْسَانِ الْأَدْنَى وَأُمِّهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ حَدٍّ يُبَيِّنُ مَنْ هُمْ ذَوُو الْقُرْبَى الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ الْحَقَّ مِنْ غَيْرِهِمْ؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا -: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أرنا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ؟ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقُ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ، أَوْ قَالَ: عَلَى زَوْجِكَ، قَالَ عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: أَنْتَ أَعْلَمُ» .
وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا جَمِيعًا: نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ؟ قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاخْتَلَفَ سُفْيَانُ، وَيَحْيَى، فَقَدَّمَ سُفْيَانُ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَقَدَّمَ الْقَطَّانُ الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَلَدِ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا يُقَدَّمَ الْوَلَدُ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَلَا الزَّوْجَةُ عَلَى الْوَلَدِ، بَلْ يَكُونَانِ سَوَاءً، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُكَرِّرُ كَلَامَهُ