أَصْلًا، وَأَعَلَّا مَنْ عِنْدَهُ مَنْ كَانَ بَعْدَ السَّبْعِينَ، كَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَجَابِرٍ، وَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَبْلَ السِّتِّينَ، فَسَقَطَ جُمْلَةً.
ثُمَّ إنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ نَصَّهُ «الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» فَلَمْ يَخُصَّ ذَا رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا هِبَةً اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَا ثَوَابًا قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ - وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ.
فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ حَقًّا فَقَدْ خَالَفُوا الْحَقَّ بِإِقْرَارِهِمْ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَلَا حُجَّةَ فِي الْبَاطِلِ، وَهُمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِدَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةَ أَنَّهَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالْأُصُولِ، وَكُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ هَاهُنَا فَخِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالْأُصُولِ.
وَأَمَّا خَبَرُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -: فَصَحِيفَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا، ثُمَّ هُوَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ ذِي رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا زَوْجٍ لِزَوْجَةٍ وَلَا أَدَايَنَ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُدَايِنْ، وَلَا شَيْءٍ مِمَّا خَصَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَلَا هِبَةَ ثَوَابٍ مِنْ غَيْرِهَا، بَلْ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ هِبَةٍ، فَمَنْ خَصَّهَا فَقَدْ كَذَبَ بِإِقْرَارِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَالَفَ حَدِيثًا بِأَسْرِهِ وَمَنْ خَالَفَ بَعْضَهُ وَأَقَرَّ بِبَعْضِهِ، لَا سِيَّمَا مِثْلُهُمْ وَمِثْلُنَا، فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ مَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حَقٌّ، وَأَنَّهُ حُجَّةٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، فَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالدَّمَارِ وَالْبَوَارِ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُخَالِفُ إلَّا مَا لَا يَصِحُّ، كَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذِي عَقْلٍ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ نُخَالِفَ خَبَرًا نُصَحِّحُهُ إلَّا بِنَسْخٍ بِنَصٍّ آخَرَ، أَوْ بِتَخْصِيصٍ بِنَصٍّ آخَرَ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ بِلَا حَيَاءٍ: إنَّ الْمَنْصُوصَ فِي خَبَرِ الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ «إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ» لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي، فَهَلَّا قَالُوا هَاهُنَا فِي هَذِهِ الْمُنَاقَضَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَكْذُوبِ بِلَا شَكٍّ: مِنْ أَنَّهُ يُوقَفُ ثُمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا اسْتَرَدَّ، لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي، بِلَا شَكٍّ فِي هَذَا لَوْ صَحَّ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ، إذْ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُخْبِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ مُسْتَرِدَّ الْهِبَةِ كَالْكَلْبِ فِي أَقْبَحِ أَحْوَالِهِ مِنْ أَكْلِ قَيْئِهِ، وَاَلَّذِي ضَرَبَ اللَّه تَعَالَى بِهِ الْمَثَلَ لِلْكَافِرِ فَقَالَ تَعَالَى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176]