وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِمَّا أَنْكَرْنَا مَعْنًى وَلَا إشَارَةً، وَإِنَّمَا فِيهِ مَا لَا نُنْكِرُهُ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَمَّ أَنْ لَا يَقْبَلَ هِبَةً إلَّا مِمَّنْ ذَكَرَ - وَلَوْ أَنْفَذَ ذَلِكَ لَكَانَ مُبَاحًا فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَلَيْسَ مِنْ الْمَحْذُورِ عَلَيْهِ خِلَافُهُ، فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِمَا هَمَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إجَازَةُ هِبَةِ الثَّوَابِ، وَلَا أَنَّ تِلْكَ الْهِبَةَ اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ وَلَا فِيهِ إجَازَةُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ أَصْلًا.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ: فَوَجَدْنَاهُ لَا خَيْرَ فِيهِ، فِيهِ: أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ، وَلَا يُعْرَفُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ سَمَاعٌ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ.
وَفِيهِ أَيْضًا: أَبُو حُذَيْفَةَ، فَإِنْ كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ بَشِيرٍ النَّجَّارِيُّ فَهُوَ هَالِكٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ - فَسَقَطَ جُمْلَةً، وَلَمْ يَحِلَّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِهِبَةِ الثَّوَابِ أَصْلًا - وَلَا لِلرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّ الْهَدِيَّةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ الرَّسُولِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " لَهُ مَا ابْتَغَى " فَجُنُونٌ، نَاهِيكَ بِهِ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ ابْتَغَى قَضَاءَ حَاجَتِهِ، وَمَنْ لَهُ بِذَلِكَ؟ وَقَدْ تُقْضَى وَلَا تُقْضَى، لَيْسَ لِلْمَرْءِ مَا نَوَى فِي الدُّنْيَا: إنَّمَا هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فِي الْجَزَاءِ فَقَطْ.
ثُمَّ نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ صَانَ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُصَوِّبَ أَنْ يُجِيزَ أَكْلَ هَدِيَّةٍ لَمْ يَبْتَغِ بِهَا مُهْدِيهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا قَصَدَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ فَقَطْ وَوَجْهَ الرَّسُولِ، وَهَذِهِ هِيَ الرِّشْوَةُ الْمَلْعُونُ قَابِلُهَا وَمُعْطِيهَا فِي الْبَاطِلِ، فَلَاحَ - مَعَ تَعَرِّي هَذَا الْخَبَرِ - عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ، مَعَ أَنَّهُ خَبَرُ سُوءٍ مَوْضُوعٌ بِلَا شَكٍّ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي بَدَأْنَا فِيهِ: فَوَجَدْنَاهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. الثَّانِي -
أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ أَصْلًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا أَدْرَكَهُ بِعَقْلِهِ