هَذَا وَلَيْسَ عَنْ الْقَاسِمِ، وَشُرَيْحٍ إبْطَالُ صَدَقَةٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَلَا بَيْعٍ، وَإِنَّمَا عَنْهُمَا إمْسَاكُ مَالٍ عَنْهُ فَقَطْ، وَإِنَّمَا جَاءَ إبْطَالُ الْبَيْعِ، وَالْعِتْقِ، وَالنِّكَاحِ عَنْ رَبِيعَةَ، وَعَطَاءٍ فَقَطْ.
وَقَدْ جَاءَ كَمَا أَوْرَدْنَا عَنْ سَبْعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَوَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ: أَنَّ السُّفَهَاءَ هُمْ النِّسَاءُ، وَهُمْ: الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَخَالَفُوهُمْ كُلَّهُمْ - فَمَنْ جَعَلَ قَوْلَ اثْنَيْنِ مِنْ التَّابِعِينَ قَدْ خَالَفَهُمْ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ حُجَّةً، وَلَمْ يَجْعَلْ قَوْلَ سَبْعَةٍ مِنْهُمْ حُجَّةً.
وَأَمَّا الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ: فَلَيْسَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا شَيْءٌ يُخَالِفُ قَوْلَنَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: الرُّشْدُ صَلَاحُ الدِّينِ، وَحِفْظُ الْمَالِ - وَكَذَلِكَ نَقُولُ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَلَهُ حَظٌّ مِنْ الصَّلَاحِ، وَلَا يَسْتَوْعِبُ صَلَاحَ الدِّينِ أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بُدَّ مِنْ نَقْصٍ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُنْفِقْ مَالَهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَقَدْ حَفِظَهُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إنَّ الرَّجُلَ لَيَشْمَطُ وَمَا أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ، وَصَدَقَ: قَدْ يَبْلُغُ الشَّيْخُ وَهُوَ مَجْنُونٌ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ أَصْلًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ: مَهْمَا أَقَلْتَ السُّفَهَاءَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَلَا تُقِلْهُمْ فِي ثَلَاثٍ: عِتْقٍ، وَطَلَاقٍ، وَنِكَاحٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَقُولُ لَهُمْ: مَتَى تَحْجُرُونَ عَلَى الْمَرْءِ؟ أَبِأَوَّلِ مَرَّةٍ يُغْبَنُ فِيهَا فِي الْبَيْعِ أَمْ بِأَنْ يُغْبَنَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: بِأَوَّلِ مَرَّةٍ؟ قُلْنَا: فَمَا عَلَى الْأَرْضِ أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ عِنْدَكُمْ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ، إذْ لَا سَبِيلَ أَنْ يُوجَدَ أَحَدٌ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إلَّا وَهُوَ يُغْبَنُ.
وَإِنْ قَالُوا بَلْ لِلْمَرَّةِ بَعْدَ الْمَرَّةِ؟ قُلْنَا: حُدُّوا لَنَا الْعَدَدَ الَّذِي مَنْ بَلَغَهُ فُسِخَ مَنْعُهُ مِنْ الْبَيْعِ، وَفُسِخَ عِتْقُهُ وَنِكَاحُهُ، وَرُدَّتْ صَدَقَتُهُ - فَهَذِهِ عَظَائِمُ لَا تُسْتَسْهَلُ مُطَارَفَةً، وَلَا مُسَامَحَةً، بَلْ النَّارُ فِي طَرَفِهَا - فَإِنْ حَدُّوهُ كُلِّفُوا الْبُرْهَانَ، وَكَانُوا قَدْ زَادُوا تَحَكُّمًا بِالْبَاطِلِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا كَانُوا قَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ مَتَى يَلْزَمُهُمْ الْحُكْمُ بِمَا بِهِ يَحْكُمُونَ وَلَا مَتَى لَا يَلْزَمُهُمْ، وَأَنَّهُمْ يَحْكُمُونَ بِالْجَهَالَاتِ وَالْعَمَى.