وَكَذَلِكَ نَسْأَلُهُمْ: مَتَى يَحْجُرُونَ عَلَيْهِ إذَا غُبِنَ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهِ بِمِثْلِهِ أَمْ إذَا غُبِنَ بِالْكَثِيرِ؟ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ بِمَا يَزِيدُ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ؟ قُلْنَا: مَا عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَجْرِ عِنْدَكُمْ، إذْ لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ يُغْبَنُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِمَّنْ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ كُلِّفُوا أَنْ يُبَيِّنُوا الْحَدَّ الَّذِي عِنْدَهُ تَجِبُ هَذِهِ الْعَظَائِمُ مِنْ فَسْخِ بُيُوعِهِ، وَأَنْ لَا يُعْدَى عَلَيْهِ فِيمَا أَكَلَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالشِّرَاءِ وَمَنْعِ الثَّمَنِ، وَأَنْ تُرَدَّ صَدَقَاتُهُ، وَعِتْقُهُ، وَنِكَاحُهُ، وَمَتَى لَا تَجِبُ؟ فَإِنْ حَدُّوا زَادُوا شَنْعًا وَحُكْمًا بِالْبَاطِلِ، وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا كَانُوا حَاكِمِينَ بِمَا لَا يَدْرُونَ، وَفِي هَذَا مَا فِيهِ.
وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ - إلَى مُنْتَهَى الْأَبَدِ - عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِرِوَايَةٍ مَعْرُوفَةٍ غَيْرِ مَوْضُوعَةٍ فِي الْوَقْتِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عَهْدِ عُمَرَ. نَعَمْ، وَلَا عَهْدِ عُثْمَانَ، وَلَا عَهْدِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إنْسَانٌ مُسْلِمٌ يَفْهَمُ الدِّينَ يَمْنَعُ بِالْحَجْرِ مِنْ صَدَقَةٍ، وَعِتْقٍ، وَنِكَاحٍ، لَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَالِهِ، وَلَا مِنْ بَيْعٍ لَا غَبْنَ فِيهِ - هَذَا مَا لَا يَجِدُونَهُ أَبَدًا، فَأُفٍّ لِكُلِّ شَرِيعَةٍ تَفَطَّنَ لَهَا مَنْ بَعْدَهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمِنْ طَوَامِّ الدُّنْيَا وَشَنْعِهَا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لَا يُكَفِّرُ فِي ظِهَارِهِ، وَلَا فِي وَطْئِهِ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي قَتْلِهِ الْخَطَأَ، وَلَا فِي أَيْمَانِهِ إلَّا بِالصِّيَامِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ أَمْوَالٍ لَا يُحْصِيهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، خِلَافًا لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَهُمْ يُلْزِمُونَهُ الزَّكَاةَ، وَالنَّفَقَاتِ عَلَى الْأَقَارِبِ، وَعَلَى الزَّوْجَةِ، فَهَلْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَرْقٌ؟ وَقَدْ جَاءَ إيجَابُ الْعِتْقِ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْقُرْآنِ، كَمَا جَاءَتْ الزَّكَاةُ سَوَاءً سَوَاءً فَلَيْتَ، شِعْرِي مِنْ أَيْنَ خَرَجَ هَذَا التَّقْسِيمُ الْفَاسِدُ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ قَوْلِنَا مِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ، وَأَنَّ أَهْلَهُ أَتَوْا النَّبِيَّ فَقَالُوا: يَا