أَجْلِ أَنَّ الزُّبَيْرَ فِي الطَّرِيقِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ الزُّبَيْرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الْحَقِّ وَبَيْنَ إنْفَاذِهِ، وَقَدْ أَعَاذَ اللَّهُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا تَرَكَ عُثْمَانُ الْحَجْرَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ الزُّبَيْرِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزُّبَيْرَ لَا يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَعَلِمَ بِدُخُولِ الزُّبَيْرِ فِيهِ أَنَّهُ بَيْعٌ لَا يَحْجُرُ فِي مِثْلِهِ؟ قُلْنَا: فَقَدْ مَشَى عَلِيٌّ فِي خَطَأٍ إذَا أَرَادَ الْحَجْرَ فِي بَيْعٍ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ فِيهِ، وَصَحَّ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ رَأْيٌ مِمَّنْ رَآهُ مِنْهُمْ، وَقَدْ خَالَفَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فَلَمْ يَرَ الْحَجْرَ عَلَى نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ صَاحِبٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَطَامَّةُ الْأَبَدِ، لَا نَدْرِي كَيْفَ اسْتَحَلَّ مُسْلِمٌ أَنْ يَحْتَجَّ بِخَطِيئَةٍ، وَوَهْلَةٍ، وَزَلَّةٍ كَانَتْ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ إذْ أَرَادَ مِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَصَاغِرِ الصَّحَابَةِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى مِثْلِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا أَعْظَمَ الثَّنَاءِ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ لَا يَكَادُ يَتَجَزَّأُ مِنْهَا فِي الْفَضْلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ أَخِي عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِأُمِّهَا أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْ " أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ: وَاَللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَوْ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لَا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ كَلِمَةً أَبَدًا - ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَتَشَفُّعَهُ إلَيْهَا، وَبُكَاهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الزَّهْرِيَّيْنِ حَتَّى كَلَّمَتْهُ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ بَلَغَتْ بِهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - الْإِنْكَارَ حَيْثُ بَلَغَتْهُ فَلَا يَخْلُو الْأَمْرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَخْطَأَ وَأَصَابَتْ هِيَ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ، فَلَا يُحْتَجُّ بِقَوْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ صَاحِبُهُ - أَوْ يَكُونُ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَصَابَ وَأَخْطَأَتْ هِيَ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، وَمِنْ أَنْ تَكُونَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تُوصَفُ بِسَفَهٍ وَتَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهَا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ.
فَصَحَّ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا اخْتَلَفُوا فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ: إبَاحَةُ الْبَيْعِ الَّذِي لَا خَدِيعَةَ فِيهِ وَلَا غِشَّ، وَالْحَضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ،