تَعَالَى لَا يُحِلُّ مَا حَرَّمَ مَعًا، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي أَبَاحَ هُوَ غَيْرُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ، وَهُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَكُلُّ نَفَقَةٍ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ - فَهِيَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُفَسَّرًا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مُجْمَلًا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا، وَبِهَذَا جَاءَتْ الْآثَارُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُبَذِّرِ: هُوَ الَّذِي يُنْفِقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ.
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] قَالَ: الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] قَالَ: لَا تَمْنَعْهُ مِنْ حَقٍّ وَلَا تُنْفِقْهُ فِي بَاطِلٍ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ هِيَ نَصُّ قَوْلِنَا وَأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا أَوْضَحَ خِلَافٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ شِرَاءِ لِمَأْكُولٍ، أَوْ مَلْبُوسٍ، أَوْ مَرْكُوبٍ، وَكُلُّ عِتْقٍ، وَصَدَقَةٍ، وَهِبَةٍ، أَبْقَى غِنًى فَهُوَ حَلَالٌ -. وَالْحَلَالُ هُوَ غَيْرُ التَّبْذِيرِ، وَالْإِسْرَافِ، وَبَسْطِ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ.
وَالْحَلَالُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ وَكُلُّ مَا لَمْ يُبْقِ غِنًى مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِالْمَرْءِ عَنْهُ غِنًى فَهُوَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ مَرْدُودٌ، وَهَكَذَا كُلُّ نَفَقَةٍ فِي مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ، وَأُجْرَةِ الْفِسْقِ، وَالْقِمَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَبَطَلَ عَنْهُمْ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ،