وَأَمَّا تَحْرِيمُهُ تَعَالَى التَّبْذِيرَ، وَالْإِسْرَافَ، وَبَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ فَحَقٌّ، وَهُوَ قَوْلُنَا، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ ذَلِكَ جَهْلًا، فَيُجِيزُونَ مِنْ الَّذِي لَا يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ إعْطَاءَ مَالِهِ كُلِّهِ إمَّا صَدَقَةً وَإِمَّا هِبَةً لِشَاعِرٍ، أَوْ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ، نَعَمْ، حَتَّى إنَّهُ لَيَكْتُبُ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَهَا عَنْ جَمِيعِ مَالِهِ الدَّيْنَ الثَّقِيلَ، وَهَذَا هُوَ التَّبْذِيرُ الْمُحَرَّمُ، وَالْإِسْرَافُ الْمُحَرَّمُ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ حَتَّى يَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا، وَنَحْنُ نَمْنَعُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَنُبْطِلُهُ وَنَرُدُّهُ.
ثُمَّ يَمْنَعُونَ آخَرِينَ مِنْ الصَّدَقَةِ بِدِرْهَمٍ فِي حَيَاتِهِ، وَمَنْ عَتَقَ عَبْدَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ عَبْدٍ، وَيُنْفِذُونَ وَصِيَّتَهُمْ وَإِنْ عَظُمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَيَحْجُرُونَ الصَّدَقَةَ، وَالْعِتْقَ بِالْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ، عَلَى مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، وَلَا يَحْجُرُونَ عَلَى مَنْ يَبْتَاعُ الْخُمُورَ، وَيُعْطِي أَجْرَ الْفِسْقِ، وَيُنْفِقُ عَلَى النُّدْمَانِ، وَفِي الْقِمَارِ، وَإِنْ أَكْثَرَ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَصِيرًا بِكَسْبِ الْمَالِ مِنْ ظُلْمٍ وَغَيْرِ ظُلْمٍ ضَابِطًا لَهُ مِنْ حَقٍّ وَغَيْرِ حَقٍّ، وَمَانِعًا مِنْ زَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ، وَهَذِهِ تَنَاقُضَاتٌ فِي غَايَةِ السَّمَاجَةِ، وَظُهُورُ الْخَطَأِ بِغَيْرِ وَجْهٍ يُعْرَفُ، فَمَرَّةً يُطْلِقُونَ إتْلَافَ الْمَالِ جُمْلَةً فِي الْبَاطِلِ، وَمَرَّةً يَحْتَاطُونَ فَيَرُدُّونَ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ، وَعِتْقَ رَقَبَةٍ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَالِ فِيهِمَا.
وَمَرَّةً يُجِيزُونَ الْخَدِيعَةَ فِي الْأُلُوفِ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَكْرَهُونَهَا وَيَقُولُونَ: الْبَيْعُ خُدْعَةٌ، وَمَرَّةً يُبْطِلُونَ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الَّذِي لَا خَدِيعَةَ فِيهِ خَوْفَ أَنْ يُخْدَعَ مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذَا فِي التَّنَاقُضِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَفِي الْقَوْلِ بِمَا لَا يُعْقَلُ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ.
وَأَمَّا نَحْنُ فَنَرُدُّ الْخَدِيعَةَ وَالْغِشَّ حَيْثُ وُجِدَا، وَمِمَّنْ وُجِدَا - قَلَّا أَمْ كَثُرَا - وَنُجِيزُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الَّذِي لَا خَدِيعَةَ فِيهِ حَيْثُ وُجِدَ، وَمِمَّنْ وُجِدَ، وَنَرُدُّ كُلَّ عَطِيَّةٍ فِي بَاطِلٍ - قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ - وَنُمْضِي كُلَّ عَطِيَّةٍ فِي حَقٍّ - قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ - وَبِهَذَا جَاءَتْ النُّصُوصُ، وَلَهُ شَهِدَتْ الْعُقُولُ، وَالْآرَاءُ الصِّحَاحُ الَّتِي إلَيْهِمَا يَنْتَمُونَ، وَبِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى يَقْضُونَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نُفَسِّرُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْذِيرَ، وَالْإِسْرَافَ، وَبَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَزَجَرَ عَنْهَا، لَا كَتَفْسِيرِهِمْ الَّذِي لَا يَفْهَمُونَهُ، وَلَا يَفْهَمُونَهُ أَصْلًا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ الْأَعْمَالُ الْمُحَرَّمَةُ مَعْنَاهَا كُلُّهَا وَاحِدٌ وَيَجْمَعُهُ أَنَّ كُلَّ نَفَقَةٍ أَبَاحَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ بِهَا - كَثُرَتْ أَمْ قَلَّتْ - فَلَيْسَتْ إسْرَافًا وَلَا تَبْذِيرًا وَلَا بَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ؛ لِأَنَّهُ