المحلي بالاثار (صفحة 2763)

كُلِّهِمْ، وَيُرَدُّ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا يُرَدُّ مِنْ أَفْعَالِ سَائِرِ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلَا فَرْقَ، وَأَنَّ مَنْ بَلَغَ غَيْرَ عَاقِلٍ، وَلَا مُمَيِّزٍ لِلدِّينِ، لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مَالُهُ.

وَلَوْ كَانَ الَّذِي قَالُوا فِي الرُّشْدِ، وَفِي السَّفَهِ قَوْلًا صَحِيحًا - وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ - لَكَانَ طَوَائِفُ مِنْ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَعُبَّادِ الْأَوْثَانِ ذَوِي رُشْدٍ، وَلَكَانَ طَوَائِفُ، مِنْ الْمُسْلِمِينَ سُفَهَاءَ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: 282] فَإِنَّ السَّفَهَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَبِهَا خُوطِبْنَا، لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ لَا رَابِعَ لَهَا أَصْلًا -:

أَحَدُهَا - الْبَذَاءُ وَالسَّبُّ بِاللِّسَانِ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ - فَسَقَطَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْوَجْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي - الْكُفْرُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 13] . وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} [الأعراف: 155] يَعْنِي كَفَرَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130] .

وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ صَدَّقَهُمْ وَرَضِيَ عَنْهُمْ قَوْلَهُمْ: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} [الجن: 4] فَهَذَا مَعْنًى ثَانٍ، وَلَا خِلَافَ مِنْهُمْ وَلَا مَنَّا فِي أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُمْنَعُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَأَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَهِبَاتِهِمْ جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] وقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا} [البقرة: 282] لَمْ يُرِدْ بِهِ تَعَالَى قَطُّ الْكُفَّارَ، وَلَا ذَوِي الْبَذَاءِ فِي أَلْسِنَتِهِمْ.

وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ - وَهُوَ عَدَمُ الْعَقْلِ الرَّافِعِ لِلْمُخَاطَبَةِ كَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ فَقَطْ، وَهَؤُلَاءِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ هُمْ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَتَيْنِ، وَأَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ لَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015