المحلي بالاثار (صفحة 2762)

عِنَايَةً بِالْمَالِ، وَأَضْبَطَ لَهُ، وَأَكْثَرَ وَأَعْرَفَ بِوُجُوهِ جَمْعِهِ مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مَغْبُونًا فِي مَالِهِ.

وَلَقَدْ أَتَى مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْخَضِرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ فَاسْتَطْعَمَاهُمْ؟ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَبَاتَا لَيْلَتَهُمَا بِغَيْرِ قِرًى، وَمَا بَلَغَ فِرْعَوْنَ فِي مِلْكِهِ قَطُّ هَذَا الْمَبْلَغَ.

وَكَذَلِكَ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْمُقَنْطِرَ مِنْ قُرَيْشٍ كَأَبِي لَهَبٍ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ جُدْعَانَ: كَانُوا أَبْصَرَ وَأَسْرَعَ إلَى كَسْبِ الْمَالِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ مِنْ مُسَاعَاةِ الْإِمَاءِ، وَالرِّبَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالَا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ: وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَسٌ، وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَا حَدِيثَ تَلْقِيحِ النَّخْلِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» . فَصَحَّ أَنَّ الرُّشْدَ لَيْسَ هُوَ كَسْبَ الْمَالِ، وَلَا مَنْعَهُ مِنْ الْحُقُوقِ، وَوُجُوهِ الْبِرِّ، بَلْ هَذَا هُوَ السَّفَهُ، وَإِنَّمَا الرُّشْدُ طَاعَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَسْبُ الْمَالِ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي لَا تَثْلِمُ الدِّينَ، وَلَا تَخْلَقُ الْعِرْضَ، وَإِنْفَاقُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَفِيمَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ، وَإِبْقَاءُ مَا يَقُومُ بِالنَّفْسِ، وَالْعِيَالِ، عَلَى التَّوَسُّطِ وَالْقَنَاعَةِ، فَهَذَا هُوَ الرُّشْدُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا} [الأعراف: 146] وَهَكَذَا كُلُّ مَكَان فِي الْقُرْآنِ ذُكِرَ فِيهِ الرُّشْدُ.

وَكَذَلِكَ لَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ: أَنَّ الرُّشْدَ هُوَ الْكَيِّسُ فِي جَمْعِ الْمَالِ وَضَبْطِهِ، فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ فِي الرُّشْدِ بِالْآيَةِ، وَفِي دَفْعِ الْمَالِ بِإِينَاسِهِ.

وَصَحَّ أَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا، وَأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى يَقِينًا بِهَا: إنَّمَا هُوَ أَنَّ مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا مُمَيِّزًا مُسْلِمًا وَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ، وَجَازَ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ مَا يَجُوزُ مِنْ فِعْلِ سَائِرِ النَّاسِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015