المحلي بالاثار (صفحة 2761)

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: جَمَعْنَا هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا رَاجِعٌ إلَى يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَاقْتَصَرْنَا عَلَى ذِكْرِ مَنْ رُوِيَ جَمِيعُهَا عَنْهُ فَقَطْ، وَكُلُّهَا صَحِيحُ السَّنَدِ.

وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6] قَالَ: الْيَتِيمُ يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالُهُ بِحُلُمٍ وَعَقْلٍ وَوَقَارٍ - مَا نَعْلَمُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَأَكْثَرُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا.

وَعَنْ التَّابِعِينَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] قَالَ: صَلَاحٌ فِي دِينِهِ وَحِفْظٌ لِمَالِهِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ لِيَشْمُطُ وَمَا أُونِسَ مِنْهُ رُشْدٌ. وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِهِمْ عَنْ شُرَيْحٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَعَطَاءٍ. وَرُوِّينَا عَنْ الضَّحَّاكِ: أَنَّهُ لَا يُدْفَعُ إلَيْهِ مَالٌ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ صَلَاحٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ، عَنْ شُرَيْحٍ، وَلَا عَنْ الْقَاسِمِ مَنْعُهُ مِنْ عِتْقٍ، وَصَدَقَةٍ، وَبَيْعٍ، لَا يَضُرُّ مَالَهُ، إنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ، وَعَطَاءٍ فَقَطْ.

قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ عَنْ التَّابِعِينَ غَيْرَ هَذَا، وَبَعْضُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ مَا الرُّشْدُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أُونِسَ مِنْهُ بِدَفْعِ مَالِهِ إلَيْهِ؟ فَنَظَرْنَا فِي الْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ الْمُبَيِّنُ لَنَا مَا أَلْزَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، فَوَجَدْنَاهُ كُلَّهُ لَيْسَ الرُّشْدُ فِيهِ إلَّا الدِّينَ، وَخِلَافَ الْغَيِّ فَقَطْ، لَا الْمَعْرِفَةَ بِكَسْبِ الْمَالِ أَصْلًا، قَالَ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] .

فَصَحَّ أَنَّ مَنْ بَلَغَ مُمَيِّزًا لِلْإِيمَانِ مِنْ الْكُفْرِ فَقَدْ أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ الَّذِي لَا رُشْدَ سِوَاهُ أَصْلًا، فَوَجَبَ دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ، وَمَا يَشُكُّ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ أَنَّ فِرْعَوْنَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا أَشَدَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015