المحلي بالاثار (صفحة 2757)

بِالظُّلْمِ وَغَيْرِهِ، فَيُجِيزُونَ بَيْعَهُمْ وَشِرَاءَهُمْ وَهِبَاتِهِمْ - وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَغْلَبِ وَالْأَظْهَرِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى - وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مَا يَمْلِكُونَهُ وَبَقَوْا بَعْدَهُ فُقَرَاءَ مُتَكَفِّفِينَ -: فَأَنْفَذُوا مِنْهُ التَّبْذِيرَ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْبَسْطَ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ مَلُومًا مَحْسُورًا، وَرَدَّهُمْ الْعِتْقَ، وَالصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَظِيمٍ مِمَّنْ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ وَيَصِفُونَهُ بِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ ضَبْطَ مَالِهِ - فَأَيُّ تَنَاقُضٍ أَفْحَشُ مِمَّنْ يُجْعَلُ أَصْلُهُ بِزَعْمِهِ ضَبْطَ الْمَالِ وَحِفْظَهُ؟ ثُمَّ يُجِيزُونَ مِنْ وَاحِدٍ إعْطَاءَ مَالِهِ كُلِّهِ حَتَّى يَبْقَى هُوَ وَعِيَالُهُ جَاعَةً وَيُنْفِذُونَهُ عَلَيْهِ، وَيَمْنَعُونَ آخَرَ مِنْ عِتْقِ: عَبْدٍ، وَصَدَقَةٍ بِدِرْهَمٍ، وَابْتِيَاعِ فَاكِهَةٍ يَأْكُلُهَا، وَوَرَاءَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَقُومُ بِأَمْثَالِهِ وَأَمْثَالِ عِيَالِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ أَصْلَهُ بِزَعْمِهِمْ دَفْعَ الْخَدِيعَةِ لَهُ عَنْ مَالِهِ. وَهُمْ يُجِيزُونَ الْخَدِيعَةَ الْمَكْشُوفَةَ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ لِغَيْرِهِ - فَمَا هَذَا الْبَلَاءُ، وَمَا هَذَا التَّخَاذُلُ، وَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ؟ وَالْحُكْمُ فِي الدِّينِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِلَا قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمِثْلِ هَذَا كُلِّهِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ مُفْسِدًا فَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ مَرْدُودَةٌ - حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَوْ لَمْ يَحْجُرْ، وَإِذَا رَشَدَ فَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ نَافِذَةٌ - حَلَّ عَنْهُ الْقَاضِي الْحَجْرَ أَوْ لَمْ يَحِلَّ - وَكُلُّ مَا أَدْخَلْنَا عَلَى مَالِكٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِ، حَاشَا مَا يَدْخُلُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَطْ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَقُّ الْوَاضِحُ هُوَ مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ بَالِغٍ مُخَاطَبٌ مُكَلَّفٌ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ، فَحُكْمُهُمْ، كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ إلَى الصَّدَقَةِ، وَالْعِتْقِ، مُبَاحٌ لَهُمْ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ، مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ إتْلَافُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَإِضَاعَتُهُ وَالْخَدِيعَةُ عَنْهُ وَالصَّدَقَةُ بِمَا لَا يُبْقِي لَهُمْ غِنًى كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» .

وَكَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ؟ قِيلَ لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» . وَكَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا» . وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ} [البقرة: 9]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015