المحلي بالاثار (صفحة 2758)

وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]

وَكُلُّ مَنْ تَصَدَّقَ وَأَعْتَقَ، وَفَعَلَ الْخَيْرَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى -: نَفَذَ، وَلَمْ يَحِلَّ رَدُّهُ وَكُلُّ مَنْ أَعْتَقَ وَتَصَدَّقَ عَنْ غَيْرِ ظَهْرِ غِنًى -: رَدَّ وَبَطَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ إلَّا مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلَا مَعْصِيَةَ إلَّا مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، فَالصَّدَقَةُ بِمَا لَا يُبْقِي غِنًى مَعْصِيَةٌ، وَالصَّدَقَةُ بِمَا يُبْقِي غِنًى طَاعَةٌ.

وَكُلُّ مَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَخُدِعَ أَوْ خَدَعَ -: فَمَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَدِيعَةَ وَالْغِشَّ، وَكُلُّ مَنْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَلَمْ يَغْبِنْ وَلَا غَشَّ فَنَافِذٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْبَيْعَ.

وَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ فِي مَعْصِيَةٍ فَلْسًا فَمَا فَوْقَهُ - فَمَرْدُودٌ.

وَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ كَمَا أُمِرَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ -: فَنَافِذٌ لَازِمٌ، وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ إبْطَالَ حَقٍّ وَلَا الْمَنْعَ مِنْ الطَّاعَةِ مِنْ أَجْلِ مَعْصِيَةٍ عَصَاهَا ذَلِكَ الْمَمْنُوعُ، أَوْ خِيفَ أَنْ يَعْصِيَهَا وَلَمْ يَعْصِ بَعْدُ كَمَا لَمْ يُبِحْ أَنْ تَنْفُذَ مَعْصِيَةٌ، وَأَنْ يَمْضِيَ بَاطِلٌ مِنْ أَجْلِ بَاطِلٍ عَمِلَ بِهِ ذَلِكَ الْمُخِلُّ وَمَعْصِيَتِهِ، بَلْ الْبَاطِلُ مُبْطَلٌ قَلَّ وُجُودُهُ مِنْ الْمَرْءِ أَوْ كَثُرَ، وَالْحَقُّ نَافِذٌ قَلَّ وُجُودُهُ مِنْ الْمَرْءِ أَوْ كَثُرَ -.

هَذَا هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَنُ وَشَهِدَتْ لَهُ الْعُقُولُ، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَتَنَاقُضٌ لَا يَحِلُّ، وَقَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْعُقُولِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ أَعْتَقَ الْمَحْجُورُ نَفَذَ عِتْقُهُ، وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى لَهُ فِي قِيمَتِهِ - فَكَانَتْ هَذِهِ طَرِيفَةً جِدًّا وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ اسْتَحَلَّ إلْزَامَ الْعَبْدِ السَّعْيَ هَهُنَا فِي هَذِهِ الْغَرَامَةِ؟ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا: مَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَهُوَ عَلَى الْحَجْرِ كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ مَجُورٌ عَلَيْهِ بِيَقِينٍ فَلَا يُفَكُّ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ آخَرَ.

قَالُوا: فَإِنْ رَشَدَ ثُمَّ ظَهَرَ تَبْذِيرُهُ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، لَكِنْ يَنْفُذُ مِنْ أَفْعَالِهِ مَا وَافَقَ الْحَقَّ وَيُرَدُّ مِمَّا خَالَفَ الْحَقَّ كَغَيْرِهِ سَوَاءٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015