اهْتِبَالًا بِالدِّينِ، وَأَطْغَى مِنْ هَذَا الَّذِي حُلْتُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُقِرُّ بِهِ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى بِالظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ.
وَثَالِثُهَا - إبْطَالُهُمْ أَمْوَالَ النَّاسِ الَّتِي يَأْخُذُهَا بِالْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ اللَّذَيْنِ أَبَاحَهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ مِنْ الْعَظَائِمِ مَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا هَذَا الْحُكْمَ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ، وَهَذَا إيكَالٌ لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا أَيْضًا وَإِذَا أَسْقَطُوا عَنْهُ حُقُوقَ النَّاسِ اللَّازِمَةَ لَهُ مِنْ أَثْمَانِ الْبَيْعِ وَرَدِّ الْقَرْضِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلْيُسْقِطُوا عَنْهُ قِصَاصَ الْجِنَايَاتِ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ وَدِمَائِهِمْ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ - وَهَذَا هُوَ التَّعَاوُنُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ جِهَارًا.
وَرَابِعُهَا - وَهُوَ أَفْحَشُهَا فِي التَّنَاقُضِ: إنْفَاذُهُ مَا فَعَلَ مِنْ التَّبْذِيرِ الْمُفْسِدِ حَقًّا، وَبُيُوعِ الْغَبْنِ قَبْلَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي، وَرَدِّهِ مَا فَعَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ بَعْدَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، فَكَانَ حُكْمُ الْقَاضِي أَنْفَذَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا كَرَامَةَ لِوَجْهِ الْقَاضِي كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ حُكْمَ الْقَاضِي مُحَلِّلًا وَلَا مُحَرِّمًا، إنَّمَا الْقَاضِي مُنَفِّذٌ بِسُلْطَانِهِ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ فَقَطْ - لَا خَصْلَةَ لَهُ غَيْرُهَا وَلَا مَعْنًى سِوَى هَذَا - وَإِلَّا فَلْيَأْتُونَا بِآيَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ، بِخِلَافِ هَذَا، وَيَأْبَى اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ - وَهَذَا كُلُّهُ لَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذُوهُ؟ وَخَامِسُهَا - إبْطَالُهُ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ رُشْدًا مَا لَمْ يَفُكَّ الْقَاضِي عَنْهُ الْحَجْرَ - وَهَذِهِ كَالَّتِي قَبْلَهَا.
وَسَادِسُهَا - إجَازَتُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْوَلِيُّ نَفَقَةَ شَهْرٍ يُطْلِقُ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَلَيْتَ شَعْرِي مِنْ أَيْنَ خَرَجَ هَذَا التَّقْسِيمُ الْعَجِيبُ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ إطْلَاقِ يَدِهِ عَلَى نَفَقَةِ شَهْرٍ وَبَيْنَ إطْلَاقِهَا عَلَى نَفَقَةِ سَنَةٍ أَوْ نَفَقَةِ سَنَتَيْنِ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَفَقَةُ شَهْرٍ قَلِيلَةٌ؟ قُلْنَا: قَدْ يَكُونُ مَالٌ تَكُونُ نَفَقَةُ شَهْرٍ فِيهِ كَثِيرًا وَيَكُونُ مَالٌ نَفَقَةُ عَشْرَةِ أَعْوَامٍ فِيهِ قَلِيلًا، وَلَا يَخْلُو دَفْعُ مَالِهِ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا، أَوْ حَرَامًا، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَدَفْعُهُ كُلُّهُ إلَيْهِ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فَقَلِيلٌ الْحَرَامِ حَرَامٌ - وَهَذَا بِعَيْنِهِ أَنْكَرُوا عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إبَاحَتِهِمْ قَلِيلَ الْمُسْكِرِ وَتَحْرِيمِهِمْ كَثِيرَهُ؟
وَسَابِعُهَا - إنْفَاذُهُمْ أَفْعَالَ الْفُسَّاقِ الظَّلَمَةِ الْمُتَعَدِّينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِكُلِّ بَائِقَةٍ الْمُبْتَاعِينَ لِلْخُمُورِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي أَجْرِ الْفِسْقِ إذَا كَانُوا جَمَّاعِينَ لِلْمَالِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ