المحلي بالاثار (صفحة 2665)

عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَنْ يُؤْخَذَ لِلْأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ، قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ» وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ إعْطَائِهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، لَكِنْ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي خَيْبَرَ هُوَ النَّاسِخُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ.

فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَخَالَفَ النَّاسِخَ وَأَخَذَ بِالْمَنْسُوخِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: فَحَيَّرَهُمْ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَرْضِ خَيْبَرَ فَأَخْرَجُوهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ وَكُلُّ تِلْكَ الْوُجُوهِ تَحَكُّمٌ.

وَيُقَالُ لِمَنْ قَلَّدَ مَالِكًا: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ تَحْدِيدُ الْبَيَاضِ بِالثُّلُثِ؟ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ تَحْدِيدُ ثُلُثٍ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الدِّينِ لَا يَجُوزُ.

وَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تُرِيدُونَ بِالثُّلُثِ؟ أَثُلُثَ الْمِسَاحَةِ أَوْ ثُلُثَ الْغَلَّةِ أَمْ ثُلُثَ الْقِيمَةِ؟ فَإِلَى أَيِّ وَجْهٍ مَالُوا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ قِيلَ لَهُمْ: وَمِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ هَذَا الْوَجْهَ دُونَ غَيْرِهِ؟ وَالْغَلَّةُ قَدْ تَقِلُّ وَتَكْثُرُ، وَالْقِيمَةُ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْمِسَاحَةُ فَقَدْ تَكُونُ مِسَاحَةً قَلِيلَةَ أَعْظَمَ غَلَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ قِيمَةٍ مِنْ أَضْعَافِهَا.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ خَيْبَرَ لَمْ تَكُنْ حَائِطًا وَاحِدًا، وَلَا مَحْشَرًا وَاحِدًا، وَلَا قَرْيَةً وَاحِدَةَ، وَلَا حِصْنًا وَاحِدًا، بَلْ كَانَتْ حُصُونًا كَثِيرَةً بَاقِيَةً إلَى الْيَوْمِ لَمْ تَتَبَدَّلْ مِنْهَا الْوَطِيحُ، وَالسَّلَالِمُ، وَنَاعِمٌ، وَالْقُمُوصُ، وَالْكَتِيبَةُ، وَالشَّقُّ، وَالنَّطَاةُ، وَغَيْرُهَا - وَمَا الظَّنُّ بِبَلَدٍ أَخَذَ فِيهِ الْقِسْمَةَ مِائَتَا فَارِسٍ وَأَضْعَافُهُمْ مِنْ الرِّجَالِ فَتَمَوَّلُوا مِنْهَا وَصَارُوا أَصْحَابَ ضِيَاعٍ فَمِنْ أَيْنَ لِمَالِكٍ تَحْدِيدُ الثُّلُثِ؟ وَقَدْ كَانَ فِيهَا بَيَاضٌ لَا سَوَادَ فِيهِ، وَسَوَادٌ لَا بَيَاضَ فِيهِ، وَبَيَاضُ سَوَادٍ، فَمَا جَاءَ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ تَخْصِيصُ مَا خَصَّهُ.

فَإِنْ قَالَ: قَدْ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ.

قُلْنَا: نَعَمْ، وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثُّلُثَ قَلِيلًا بِخِلَافِ الْأَثَرِ - ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ وَلِلشَّافِعِيِّ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَعْطَى أَرْضَ خَيْبَرَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَبَعًا لِلسَّوَادِ؟ وَهَلْ يَعْلَمُ هَذَا أَحَدٌ إلَّا مَنْ أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ غَفْلَةٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَقَطْعٌ بِالظَّنِّ؟ وَأَمَّا بَعْدَ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فَمَا هُوَ إلَّا الْكَذِبُ الْبَحْتُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَإِنَّمَا الْحَقُّ الْوَاضِحُ فَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْطَى أَرْضَهَا بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015