زَرْعٍ وَأَعْطَى نَخْلَهَا وَثِمَارَهَا كَذَلِكَ، فَنَحْنُ نَقُولُ: هَذَا سُنَّةٌ، وَحَقٌّ أَبَدًا، وَلَا نَزِيدُ، وَنَعْلَمُ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِظَاهِرِهِمَا.
وَكَذَلِكَ أَيْضًا يُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الْمُخَابَرَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ خَيْبَرَ، فَدَلَّ أَنَّهَا بَعْدَ خَيْبَرَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ عَلِمَ هَذَا الْقَائِلُ قَبِيحَ مَا أَتَى بِهِ لَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْهُ، وَلَتَقَنَّعَ حَيَاءً مِنْهُ، أَمَّا عِلْمُ الْجَاهِلِ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَ هَذَا اسْمَهَا قَبْلَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْمُخَابَرَةَ كَانَتْ تُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ كَذَلِكَ، وَأَنَّ إعْطَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ ثَمَرٍ كَانَ إلَى يَوْمِ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَاتَّصَلَ كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ فَكَيْف يَسُوغُ لِذِي عَقْلٍ أَوْ دِينٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ نَهْيَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْمُخَابَرَةِ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ أَتَرَى عَهْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَانَا مِنْ الْآخِرَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنَّهْيِ عَنْهَا؟ أَمَّا هَذَا مِنْ السُّخْفِ، وَالتَّلَوُّثِ، وَالْعَارِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ، وَيَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا الْجُنُونِ؟ فَصَحَّ يَقِينًا كَالشَّمْسِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَعَنْ إعْطَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَانَ قَبْلَ أَمْرِ خَيْبَرَ بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِلْكِرَاءِ بِحَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ وَأَمَرَ بِالْمُؤَاجَرَةِ وَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا» .
وَبِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ - نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ نا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ قَيْسٍ الزُّرَقِيُّ قَالَ: سَأَلْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إلَّا هَذَا فَلِذَلِكَ زَجَرَ عَنْهُ فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ.
وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ