المحلي بالاثار (صفحة 2488)

نَقُولُ بِهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ النَّصُّ، وَالْقِيَاسُ لَا يُسْتَحَلُّ بِهِ الْمُحَرَّمُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]

وَقَالَ إِسْحَاقُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يَنْتَفِعُ الرَّاهِنُ مِنْ الرَّهْنِ إلَّا بِالدَّرِّ - وَهَذَا قَوْلٌ بِلَا بُرْهَانٍ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ إلَى أَجَلٍ فِي الدُّورِ، وَالْأَرْضِينَ، وَكَرِهَ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ، وَالثِّيَابِ وَالْعَرُوضِ - وَهَذَا قَوْلٌ لَا بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهِ، وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَشَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَوْلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَمُنَاقَضَةٌ.

وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِغَرِيبَةِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ فِي الْعَرُوضِ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً؟ فَقِيلَ لَهُ: وَهُوَ فِي الْعَقَارِ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ مُؤَاجَرَةِ الرَّهْنِ، وَمِنْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ - ثُمَّ تَنَاقَضُوا مِنْ قُرْبٍ فَأَبَاحُوا لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ، وَأَنْ يُعِيرَهُ إيَّاهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَمْ يَرَوْهُ بِذَلِكَ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ - وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِتَعَرِّيه مِنْ الْبُرْهَانِ، وَلِأَنَّنَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: فَإِذَا كَانَتْ الْمَنَافِعُ لِلرَّاهِنِ كَمَا كَانَتْ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلرَّهْنِ؟ قُلْنَا: أَعْظَمُ الْفَائِدَةِ -: أَمَّا فِي الْآخِرَةِ، فَالْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَالْأَجْرُ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَلِأَنَّ الرَّاهِنَ إنْ مَطَلَ بِالْإِنْصَافِ بِيعَ الرَّهْنُ وَتَعَجَّلَ الْمُرْتَهِنُ الِانْتِصَافَ مِنْ حَقِّهِ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ تُرِيدُونَ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْفَائِدَةِ؟ وَنَقُولُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تُوَافِقُونَنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَمْحُ بِالْقَمْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلِ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي هَذَا؟ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ - وَهَذِهِ اعْتِرَاضَاتٌ بِسُوءِ الظَّنِّ بِصَاحِبِهَا وَلَيْسَ إلَّا الِائْتِمَارُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]

وَاعْتَرَضَ بَعْضُ مَنْ لَا يَتَّقِي اللَّهَ تَعَالَى عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015