المحلي بالاثار (صفحة 2376)

وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ أَنْ لَا تُجْزِئَ صَدَقَةٌ أَصْلًا إلَّا بِمَالٍ فِيهِ زَكَاةٌ أَوْ بِمِقْدَارِ الزَّكَاةِ فَقَطْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: سَوَاءٌ نَذَرَ ذَلِكَ أَوْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ إنْ قَالَ: مَالِي كُلُّهُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ، فَإِنْ قَالَ: دُورِي كُلُّهَا صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَضِيَاعِي كُلُّهَا صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَثِيَابِي كُلُّهَا صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَرَقِيقِي كُلُّهُمْ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَلَمْ يَزَلْ هَكَذَا حَتَّى سَمَّى نَوْعًا نَوْعًا حَتَّى أَتَى عَلَى كُلِّ مَا يَمْلِكُ -: لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ ذَلِكَ أَوَّلُهُ عَنْ آخِرِهِ، لَا يُجْزِيه مِنْهُ الثُّلُثُ إلَّا أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ.

فَلَوْ قَالَ مَكَانَ الْمَسَاكِينِ عَلَى إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ -: لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِكُلِّ ذَلِكَ وَيُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالُوا: فَلَوْ نَذَرَ، أَوْ حَلَفَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، إلَّا دِينَارًا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ إلَّا دِينَارًا -: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا قُرْآنَ يُعَضِّدُهُ، وَلَا سُنَّةَ، وَلَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلَا قَوْلٌ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ؛ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ.

وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ إلَّا نِصْفَ دِينَارٍ، أَوْ دِرْهَمًا حَتَّى نَبْلُغَهُمْ إلَى الْفَلْسِ، وَحَبَّةِ الْخَرْدَلَةِ؟ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ كَانَ مَالُهُ كَثِيرًا تَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَرُبْعُ عُشْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَقَةً قَلِيلَةً، فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ - وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَعَلَّقٌ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ إلَّا قَوْلَ مَنْ قَالَ مَنْ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ؛ وَقَوْلَ مَنْ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَقَوْلَ مَنْ قَالَ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ.

فَأَمَّا مَنْ قَالَ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» .

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَبَرٌ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ» ؛ فَلَا يَخْلُو النَّذْرُ بِصَدَقَةِ الْمَالِ كُلِّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، أَوْ يَكُونَ مَعْصِيَةً فَلَا يَلْزَمُهُ أَصْلًا إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ صَحِيحٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015