المحلي بالاثار (صفحة 2377)

فِي ذَلِكَ بِحُكْمٍ مَا فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» - وَلِهَذَا الْخَبَرِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ نَذْرُ طَاعَةٍ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ لَيْسَ هُوَ نَذْرَ طَاعَةٍ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟ وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُجْزِيه الثُّلُثُ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِخَبَرٍ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى نا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ نا ابْنُ إدْرِيسَ قَالَ: قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ «عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَدِّهِ فِي قِصَّتِهِ إذْ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي إلَى اللَّهِ أَنْ أُخْرِجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةً قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَنِصْفَهُ، قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَثُلُثَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي مِنْ خَيْبَرَ» .

وَبِخَبَرٍ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ السَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ أَخْبَرَهُ «أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي، وَأُسَاكِنَكَ، وَأَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ؟ قَالَ: يُجْزِي عَنْكَ الثُّلُثُ» .

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ -: أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي السَّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بِمِثْلِهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيِّبِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ «أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ: يُجْزِي عَنْكَ الثُّلُثُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَكُلُّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا مَرَاسِيلُ، وَالْأَوَّلُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ إدْرِيسَ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ إِسْحَاقَ.

وَأَمَّا تَمْوِيهُ الْمَالِكِيِّينَ بِالِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْخَبَرِ فَعَارٌ عَظِيمٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ كُلِّهِ بِتِلْكَ التَّقَاسِيمِ الْفَاسِدَةِ، وَبِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلَيْهِ الْوَفَاءَ بِصَدَقَةِ نِصْفِ مَالِهِ إذَا نَذَرَهُ - وَفِي هَذَا الْخَبَرِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّذْرِ بِصَدَقَةِ جَمِيعِهِ، وَصَدَقَةِ نِصْفِهِ - فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015