وَنَعَمْ هَذَا حَقٌّ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّهَا أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِ مَكَّةَ، وَلَا أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَكِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ إلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ» .
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ، وَمَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَخَافَهُ اللَّهُ، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» .
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَثَلُ هَذَا فِيمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ كَادَ أَهْلَهَا وَلَا يَحِلُّ كَيْدُ مُسْلِمٍ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ.
وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - عَنْ مَكَّةَ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] فَصَحَّ الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ ظَلَمَ بِمَكَّةَ كَالْوَعِيدِ عَلَى مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشَدَّتِهَا إلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْحَضِّ عَلَى الثَّبَاتِ عَلَى شِدَّتِهَا وَأَنَّهُ يَكُونُ لَهُمْ شَفِيعًا وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَشْفَعُ لِجَمِيعِ أُمَّتِهِ.
وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " الْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةَ " وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ الشَّفَاعَةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا كُلُّ بِرٍّ وَفَاجِرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ» فَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهَا عَلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا دَعَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَذَا كَمَا تَرَى فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يُحَبِّبَهَا إلَيْهِمْ كَحُبِّهِمْ مَكَّةَ، وَإِمَّا أَشَدُّ مِنْ حُبِّهِمْ مَكَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أُجِيبَ بِهِ دُعَاؤُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَحُبُّ الْبَلَدِ يَكُونُ لِلْمُوَافَقَةِ وَالْأُلْفَةِ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ عَلَى مَكَّةَ.
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قَيْدٍ - يَعْنِي سُقُوطَهُ - خَيْرٌ مِنْ الْأَنْبَاطِ وَمَا فِيهَا» .
وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» وَأَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا مِنْ هَذَا أَنَّ مَكَّةَ مِنْ الدُّنْيَا فَمَوْضِعُ قَابِ قَوْسٍ مِنْ تِلْكَ الرَّوْضَةِ