المحلي بالاثار (صفحة 2024)

أَصْحَابَهُ إلَى الْيَمَنِ، وَالْبَحْرَيْنِ، وَعُمَانَ لِلدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» فَبِلَا شَكٍّ أَنَّهُ قَدْ نَصَحَهُمْ فِي إخْرَاجِهِمْ لِذَلِكَ، فَصَحَّ قَوْلُنَا: وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ فِي هَذَا فِي دَعْوَاهُمْ فَضْلَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَغْبَةً عَنْهَا» فَهَذَا الْحَقُّ وَعَلَى مَنْ يَرْغَبُ عَنْ الْمَدِينَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ فَمَا هُوَ بِمُسْلِمٍ، وَكَذَلِكَ بِلَا شَكٍّ مَنْ رَغِبَ عَنْ مَكَّةَ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» وَهَذَا إنَّمَا فِيهِ: أَنَّ مِنْ الْمَدِينَةِ تُفْتَحُ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِي هَذَا فَضْلٌ لَهَا عَلَى مَكَّةَ وَقَدْ فُتِحَتْ خُرَاسَانُ، وَسِجِسْتَانُ، وَفَارِسُ، وَكَرْمَانُ، مِنْ الْبَصْرَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى فَضْلِ الْبَصْرَةِ عَلَى مَكَّةَ.

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّ الْإِيمَانَ يَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا» وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ فَضْلُهَا عَلَى مَكَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بِلَا شَكٍّ.

وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَقُولُ إلَّا الْحَقَّ وَهُوَ الْيَوْمَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَوَا حُزْنَاهُ وَوَا أَسَفَاهُ وَمَا الْإِسْلَامُ ظَاهِرًا إلَّا فِي غَيْرِهَا وَنَسْأَلُ اللَّهُ إعَادَتَهَا إلَى أَفْضَلِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.

وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِزِيَادَةٍ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ نَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ نَا عَاصِمُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا» فَفِي هَذَا أَنَّ الْإِيمَانَ يَأْرِزُ بَيْنَ مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ.

وَمِنْهَا: حَدِيثُ أَنَسٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَع رَاحِلَتَهُ مِنْ حُبِّهَا» وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُحِبُّهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015