الصِّنَاعَة، والتعاقب، والمحتسب، إِلَى أَشْيَاء اقتضبتها من الْأَشْعَار الفصيحة، والخطب الغريبة الصَّحِيحَة.

هَذَا جَمِيع مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ كتَابنَا " المُحْكَم "، وَهُوَ فِي هَذِه الصِّنَاعَة " الْمُحِيط الْأَعْظَم " قد دَبَّجْتُ فِتانه، وأدْمَجْت مِتانَه، وشَكَّلت آسانَه، ووكَّلْت بالإعراب عَنهُ لِسَانه، وأبرزته للدهر مفتخرا، وبذلت فِيهِ من مَكْنُون علمي مَا كنت لَهُ مدخرا، حذارا أَن يطويني ضريحي، وتتلمأ عَليّ تربتي وصفيحي، فَرَأَيْت تَركه شياعا، خيرا من أَن يذهب فِي صَدْرِي ضيَاعًا، ثمَّ أهديته إِلَى ذَوي الْأَلْبَاب، مونقا لمقلهم، ومطلقا لعقلهم، ومنشرا لما دثر من أفهامهم، وباعثا لما همد من نَار أوهامهم، يردون متون أصواحه عذبة الجمام، ويستظلون غصون أدواحه مطربة الْحمام، يتعللون مِنْهُ بِخَمْر وريق، ويسرحون من ملحه فِي بُسْتَان زَاهِر وريق، فَإِن كافئوا بِالْحَمْد، وَلم يجللوا النِّعْمَة برود الْجحْد، فقد أنصفوا من نُفُوسهم، وَلم يكسفوا بذلك من أقمارهم، وَلَا شموسهم، وَإِن تكن الْأُخْرَى، فَرب غامط لنعمة الله الَّتِي هِيَ أَسْبغ أذيالا، وأسوغ أغيالا، وأمد ظلا، وأذكى من سَمَاء كل نعْمَة وابلا وطلا:

ومِنَّي استَفادَ النَّاسُ كلَّ غَريبةٍ ... فجازُوا بتركِ الذَّمّ إنْ لم يكنْ حمدُ

ولينظروا نحوي، فَمن أبْصر فقلما تخفى ذكاء، وَمن عشى فعاذر أَلا تراني مقلة عمياء، وَللَّه قَول أبي الطَّيِّب:

ولقَدْ عَلَوْتَ فمَا تُبالي بَعدَما ... عَرَفُوا أَيحْمَدُ أمْ يَذُمُّ القائلُ

وَإِن ألوى بهم الأشر، وَقد سبقت مني إِلَيْهِم الْفقر، فَمَا عليّ أَن تفهم البَقَر؛ وَإِن تعسَّف مِنْهُم جَاهِل علينا، أَو تترَّع مِنْهُم هدم الجفر إِلَيْنَا قبل أَن يروز الْخِبْرَة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015